لقد أحرقنا فيها كل شيء، ودمرنا كل شيء ... أكتب إليك يحيط بي أفق من النيران والدخان، لقد تركتني عند قبيلة البزار فأحرقتهم جميعاً، ونشرت حولهم الخراب، وأنا الآن عند السنجاد أعيد فيهم الشيء نفسه ولكن على نطاق أوسع ".
ويقول مونتياك في كتابه " رسائل جندي " وهو يصف إحدى المذابح التي حضرها: "لقد كانت مذبحة شنيعة حقاً، كانت المساكن والخيام في الميادين والشوارع والأفنية التي انتشرت عليها الجثث في كل مكان، وقد أحصينا في جو هادئ بعد الاستيلاء على المدينة عدد القتلى من النساء والأطفال فألفيناهم ألفين وثلاثمائة، وأما عدد الجرحى فلا يكاد يذكر لسبب هو أننا لم نترك جرحاهم على قيد الحياة ".
وقد بلغ عدد القتلى في مدينة سطيف في مايو ١٩٤٥م ما يقرب الأربعين ألفاً.
ويشنع الكونت هيريسيون على هذه القبائح التي لا مبرر لها فيقول: " فظائع لا مثيل لها، أوامر الشنق تصدر من نفوس كالصخر يقوم بتنفيذها جلادون قلوبهم كالحجر ... في أناس مساكين جُلُّ ذنبهم أنهم لايستطيعون إرشادنا إلى ما نطلب إليهم أن يرشدونا إليه ".
وقد تفنن المستعمرون في طرق إبادة هذه الشعوب، ومما أبدعوه في هذا الباب طريقة يسمونها "جهنم" حيث يتبع الجنود الهاربين من النساء والأطفال والرجال إلى الكهوف فيشعلون عند باب الكهف ناراً عظيمة، فيموت من بداخله حرقاً أو خنقاً ". (١)
وفي جنوب أفريقيا سيطر الاستعمار ففرض القوانين الجائرة والضرائب، ومنح البيض في عام ١٩١٣م ٨٨% من أراضي جنوب أفريقيا وفرض على السود دون البيض مصروفات الدراسة، وأمر بأن يدفع كل أسود بين سنة ١٢ - ٦٥ سنة ضريبة عن نفسه وأخرى عن كوخه.
وقد أضر المستعمرون بمصالح المزارعين حين أمروهم بزراعة بعض المحاصيل دون بعض، ثم شروها منهم بأبخس الأثمان.
ففي عام ١٩٥١م باع فلاحو الجزائر قنطار الزيتون بـ ٢٠٠٠ فرنك في حين كانوا يبيعونه قبل دخول فرنسا بـ ٥٠٠٠ فرنك فرنسي.
(١) انظر هذه الفظائع وغيرها: أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها، عبد الرحمن حبنكة الميداني، ص (١٧٥)، الاستعمار. أحقاد وأطماع، محمد الغزالي، ص (٣٤، ٤٦ - ٤٩، ٥٦، ٣٠٢).