يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف.
ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتألف قوما ويهجر قوما آخرين، وقد تكون المؤلفة قلوبهم أشر حالا في الدين من المهجورين، كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرا من أكثر المؤلفة قلوبهم ولكن أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم. وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثير فكان في هجرهم تأييد الدين وتطهيرهم من ذنوبهم، وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة والمهادنة تارة وأخذ الجزية تارة، كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح.
وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع وبين ما ليس كذلك ويفرق بن الأئمة المطاعين وغيرهم. وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه، وإذا عرف هذا فالهجرة الشرعية هي الأعمال التي أمر الله بها ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فالطاعة لابد أن تكون خالصة لله وأن تكون موافقة لأمره، فتكون خالصة لله صوابا، فمن هجر لهوى نفسه أو هجر هجرا غير مأمور به كان خارجا عن هذا وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله.
والهجر لأجل حظ الإنسان لا يجوز أكثر من ثلاث كما جاء في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:(لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان يصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).