للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لي في أفقه البعيد حجراً أزرق مترامي الأبعاد، كأنما اقتطع منه الجوهريون الملايين من حجارة الفيروز الثمينة.

لست أدري فلعل تأثري بذلك المنظر الأخاذ يعود إلى أنني كنت أراه للمرة الأولى، لكنها الطبيعة لم أرها في يوم من الأيام أجمل مما رأيت تلك اللحظة.

عند ركوبنا البحر لم تكن ثمة صعوبات أمامنا في إدارة المرفأ أو في مكاتب الشركة البحرية (شركة عابرات الأطسي Compagnie Trans Atlantique)، مما يحدث في تلك الفترة. فقد كان الملاحون يدسون العمال الجزائريين في عنابر السفن هرباً من أعين المسؤولين بوصفهم بضاعة ممنوعة، بعد أن يتقاضوا منهم أجوراً باهظة، وكانت تتقطع أنفاس بعضهم فيموتون بالعشرات كما حدث في سفينة (سيدي فرج).

هكذا أخيراً أصبحنا على ظهر السفينة، وحين رأيت القبطان (ليبين Lepine) يأمر برفع مراسيها زايلني حينئد شعور بالعالم كله ينفتح أمامي.

وقفت بجانب حقائبي مستنداً إلى المتَّكَأ ( Bastaingage) أعبّ في صدري هواء البحر البارد المشبع باليود. فالصيف الجميل يسعف دريهماتنا القليلة في سفرنا هذا على ظهر السفينة.

لم أكن أدري بعد في تلك اللحظة أن إرادة القدر ستخبئ لي الرحلات العديدة على ظهور السفن. ولم أكن بكل حال لأعتقد أنني مجرد عابر يعبر البحر إلى فرنسا، بل كان في نفسي شعور بأنها رحلة عظيمة كتلك التي قام بها كولومبس وهو يكتشف العالم الجديد.

في اليوم الأول كنا نمخر عباب البحر، واليابسة أمام ناظرينا. فالسفينة يتجه خط سيرها بمحاذاة الشاطئ إلى (عنابة) لتحمل عدداً آخر من المسافرين،

<<  <   >  >>