للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان ثمة غموض في ذهني، إذ لم أكن أعرف ماذا يكون معمل البيرة. ففي مصنع الجعة يعد الرصيف الفارغ بمثابة جهنم، بينما تعد الأرصفة الممتلئة بمثابة المطهر. والعمال الجدد يوضعون عادة في جهنم ليكفروا عن خطاياهم قبل أن ينتقلوا إلى المطهر مثل زميلي التبسي.

لقد كان العمل مضنياً بالفعل. فجميع الزجاجات التي تخرج ممتلئة من المصنع لتطفئ ظمأ سكان باريس في هذا الموسم كانت تعود فارغة في سيارات كبيرة من مختلف مناطق العاصمة. وهكذا تتجمع عشرات الآلاف من صناديق زجاجات الجعة الفارغة على الرصيف، حيث يتولى العمال ترتيبها في صفوف بسرعة تلائم سرعة الآلة التي تتولى نقلها إلى داخل المصنع.

وفي ربع الساعة المخصصة للراحة وعندما يتوقف الرصيف اللفاف النقال والآلة التي كانت تقوم بوظيفة رئيس ورشة الرصيف، كنت أُلقي وأنا تحت سقيفة العنبر الشاسعة نظرة غبطةٍ إلى رصيف (الزجاجات المملوءة)، حيث كان العمل بطبيعته يتم بطيئاً حتى لا تتعرض البضاعة للكسر. ولكن متى أُقبَل في المطهر؟. كان صديقي التبسي يجيبني مداورة على سؤالي هذا كلما ألقيته عليه.

وبانتظار ذلك كان كل عطش باريس في شهر آب (أغسطس) يمر من فوق ظهري فأحس بثقله الساحق.

وفي فترات الراحة كان (نيكولا) يتلطف بإطفاء عطش آلاته البشرية بالبيرة الشقراء أو السمراء حسب الاختيار. لكن ثمة سؤال كان في ذهني يتجاوز شقراوات باريس: ((متى أُقبَل في المطهر؟)) ذلك هو السؤال الذي كنت أردده في فترة الراحة.

<<  <   >  >>