للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ربما عملت عند (نيكولا Nicolas) أسبوعاً واحداً. ثم لم أعد أستطيع صبراً فأرسلت بنداء الاستغاثة ( s.o.s):

- أرسلوا دراهم للعودة.

كانت هذه رسالتي الأولى مع أهلي منذ أن تركت قسنطينة.

لم أعرف من باريس غير الأرصفة الفارغة والممتلئة من معمل (نيكولا Nicolas)، ومن بعيد كنت أرى برج (ايفل) وعليه اسم (سيتروين Citroên) بحروف مضيئة، حتى أني لم أزر جامع باريس الذي دُشِّن حديثاً، ولكي أستطيع أن أحدث أصدقائي في تبسة عن باريس فقد عزمت ليلة رحيلي عنها أن أذهب إلى ساحة (الأوبرا) بالمترو. عدت إلى الجزائر حاملاً معي السؤال: ما العمل؟. ذلك السؤال الذي دفعني إلى المغامرة البائسة التي عشتها مع (قاواو).

كنت خائفاً من تلك العودة، إلا أن عائلتي باستقبالها لي استقبال (الولد المتفوق) قد بددت تلك المخاوف. واستقبلني رفاقي كأني بطل ملحمة إلا أنني لم أقص عليهم تفاصيلها حتى لا أثير اشمئزازهم.

وباستعادتي لمألوف ما درجت عليه من التردد على مقهى (باهي) مع أصدقائي، فقد نسيت سريعاً مغامرتي التي تشبه ملحمة الأوديسة الشهيرة.

كانت حرب (الريف) قد بلغت أوج احتدامها في الصحافة وفي النفوس. الإدارة كانت مستمرة في التجنيد. لقد حركت حتى منابر المساجد من أجل النداء للحرب ضد الثائرين. وكنا أنا ورفاقي نتابع هذه التطورات بمزيد من الاهتهام.

ذات يوم وأعتقد أنه في نهاية شهر آب (أغسطس) من عام ١٩٢٥ أطلق نداء للحرب من منبر تبسة.

<<  <   >  >>