للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لم نعد نملك أنفسنا، واجتمعنا أنا وصالح حواس وصانع الأحذية حما الصغير وإزميرلي محمود ومحمود الغلالي على جسر وادي الناقوس نبيّت أمر الرد على السلطة ونحن نتكئ على سوره في العتمة، ونقشر الفستق السوداني. وأعتقد أن واحداً منهم هو محمود الغلالي ما يزال على قيد الحياة.

كلفني هؤلاء المتآمرون أن أكتب نداء نعلقه على باب الجامع ليلة الغد.

اجتهدت في تجويد خطي وتقديم أفضل ما زودتني به عربيتي الضعيفة من تعابير، لذلك فقد قضيت سحابة نهار اليوم التالي في الكتابة والتجويد فيها.

وهكذا كان الشكل والمحتوى مما أثلج صدر أصدقائي، حينما شرعنا في قراءة التبيان ونحن نقوم بنزهتنا المعتادة خارج المدينة. وليلة تعليقنا ذلك البيان لم نغير من عاداتنا المسائية. فبعد جولتنا المعتادة نحو الكنيسة ووادي الناقوس جذبتنا أقاصيص (باهي) وأسطواناته، واسترسلنا معها ذلك المساء فبقينا إلى موعد إغلاق المقهى.

في تبسة لم تكن الرقابة الليلية في ذلك الزمن الذي انعدم فيه العمل السياسي مما يشغل بال الإدارة. فبعد إقفال المقاهي تبدو شوارع المدينة شبه خالية.

ابن خالي (صالح حواس) هيأ هن مصنع التبغ الذي يملكه شقيقه علبة صمغ ووضعها قرب باب منزلهم فذهبنا لإحضارها. وفي الدقيقة الثلاثين بعد منتصف الليل اتجهنا نحو المسجد جميعاً وعلقنا النداء في مكان بارز من الباب الرئيسي للمسجد ثم تفرقنا كل في اتجاه.

وفي اليوم التالي لم أخرج من المنزل كعادتي إلا في المساء. وحما الصغير وصالح حواس أبلغاني ما جرى في النهار. فقد كان دويّ الورقة في ضمير الإدارة الفرنسية أكثر مما كان في ضمير مواطنينا.

<<  <   >  >>