للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لكن الجواب كان سلبياً. فالبعثة استكملت حاجاتها جميعاً سوى سائقين. وهكذا فاتني القطار رغم أنفي.

وكان من حسن الطالع أن فورة في الأفكار بدأت تسود تِبِسَّة. ففي ذلك الزمن أنشئ كما أعتقد أول نادٍ في تبسة، وكان ذلك بمبادرة صديقي العدل في المحكمة. وقد اتخذ له مكاناً في قسم من مقهى فرنسي يقع في ساحة القصبة وهو المقهى نفسه الذي يشغله بكامل مساحته.

ولقد أنشئ هذا النادي حين اقتضت حاجة ذلك الفريق من العلماء الذي بدأ يتحلق حول الشيخ (العربي التبسي) إلى مكان، يترددون إليه ولا تتعرض هيبتهم للقيل والقال، وما كان مقهى (باهي) يمنح علماءنا ضمانة كافية في هذا السبيل.

ويمكن أن نلاحظ منذ تلك الفترة أن عِلْمَنا لم يعد يذهب من تلقاء نفسه ليحمل أنواره حيث ينتشر الجهل. بل كان على الجهل أن يسعى إلى العلم ليغترف منه. وفكرة صديقي عدل المحكمة بإنشاء النادي قد حققت بالتالي تسوية بين جهلنا وعلم العلماء.

أما أنا فقد كنت في تلك الفترة آنيّ المقاصد. فقد سررت لأن النادي قد شغل مكاناً خُصِّص من قبل لإله الخمر (باخوس Bacchus).

ثم إن هذا النادي بصفته قائماً في ساحة القصبة، التي كانت المجال الخاص بالأوربي، أتاح للجزائري (ابن البلد Indigène) أن يثبت للأوربي أنه يستطيع أن ينشئ لنفسه مكاناً مخصصاً لاجتماعاته، وهذا ما منحني شيئاً من الاعتزاز.

لم أكن أعرف ماذا كان موقف الإدارة المحلية، ولكني أعترف أنه لم يكن هذا الأمر ليشغلني، إذ لم تكن أفكاري قد بلغت هذا الحد من الإدراك، وما عرفته فحسب هو أن مدام (دوننسان Denoncin) انتقدت الأمر في جمع من أصدقائها يتحلقون في مخزنها بعد ظهر كل يوم.

كان ثمة إحساس غامض استولى على شبان تبسة، إنه الانعتاق من وطأة

<<  <   >  >>