للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

غير بعيدة عن (الأغواط). وحينما كنت أقضي أوقات فراغي في السنة الثانية من المدرسة في رسم مسالكي عبر الصحراء كان بعضها يمر بالأغواط.

(أفلو) كانت بالنسبة لي مرحلة نحو (تمبوكتو).

هذه كانت على وجه التقريب الأسباب التي دفعتني لاختيار هذه الوظيفة المتواضعة، لكن الإدارة من ناحية أخرى لم تكن على عجل من إلحاقي بالعمل، وقد تركتني في رهق الانتظار أشهراً قبل أن تلحقني بهذه الوظيفة الشاغرة.

وأخيراً، وذات يوم استدعاني قاضي تِبِسّة ليبلغني تعييني. كدت أطير من الفرح.

كان ذلك في شهر آذار (مارس) من عام ١٩٣٧ حين وصلت إلى (أفلو). لم يسبق لي أن زرت منطقة وهران من قبل. وحين فصل بنا المسير إلى (إغيل إيزان) لنبدل القطار إلى (تيارت)، زايلني شعور بالاغتراب إذ بدأت لهجة الناس تتغير.

فالناس الذين استقلوا معي مركبة الدرجة الثالثة المتقشفة يقولون (واه) إذا أرادوا أن يقولوا (نعم)، وفي قسنطينة نقول (هيه) أو (نعم) حسب درجة الثقافة، فهذه الـ (واه) بدت لي غريبة كأن فيها شيئاً من اللغة (البربرية)، وغرابتها تشبه غرابة من يقول في فرنسا القرن العاشر ( oe) لرجل يقول ( oll).

لكن حسن تصرف الناس الذين استقبلوني في (أفلو) قد أشاع الطمائينة في نفسي والإعجاب أيضاً.

والشيء الوحيد الذي بدا لي مستغرباً من العشية الأولى في أفلو هو (الكسكسي) الذي قُدِّم إلينا عند القاضي الذي كنت ضيفه.

<<  <   >  >>