للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في زاوية لم يقتحمها الاستعمار بعد، كأنما قد لاذت بها البلاد لتضع في حرزها الأمين كنوزاً من لطف المعشر والكرم والإخلاص وحب الخيل والبراءة.

وبينما كنت في عالم أحلامي هذا منذ الليلة الأولى نسيت كلمة (واه) تتردد من حولي واسترسلت في حب هذا العالم.

وأعتقد أن هذا العالم قد أحبني بدوره على الرغم من أني كنت حاسر الرأس في سروال (رعاة البقر)، ينتهي عند الساق في حزامين من الجلد، وهو هندام تفرَّدتُ به بين الحاضرين الذين يضعون العمائم ويرتدون (البرانص) و (القندورات).

وقد اعتنيت عند مغادرتي تبسة بأن أحمل معي فراشاً وأغطية، لعلمي أنه بستين فرنكاً لا ينبغي أن أفكر بغرفة في فندق.

لكن (أفلو) تخلو من فندق، والمسافر الغريب قلما يقضي الليل بها، فهو يتابع سيره إما في اتجاه (الأغواط) أو الاتجاه الآخر نحو (تيارت).

وإذا اتفق لرجل من البلاد أن يبيت ليلة في (أفلو) فمنزل أيٍّ من معارفه هو فندقه، سواء أكان قريباً أم صديقاً.

ولذا فمنزل الشيخ (بن عزوز) هو بالتأكيد الفندق الأكثر رواجاً. قاعة الضيوف هي قاعة للطعام نهاراً وللنوم ليلاً، فيها يتمدد على السجادة الكبيرة ضيوف اليوم وأولاد العائلة غير المتزوجين.

ومنذ ليلتي الأولى في أفلو اتخذت جانباً فارغاً من المحكمة غرفةً لنومي فيها مددت فراشي، وفي يومي الثاني أصبحت بالتتابع ضيف سائر أعضاء المحكمة وبعض وجهاء المركز. وحين انتهت قائمة الدعوات، كان السي (عمر) الابن الأبَرّ بالقاضي يأتي إلى المحكمة ليأخذني ظهراً، أي في تلك الساعة التي أبدأ فيها البحث عن أية وسيلة أتبلغ فيها غذائي في مدينة لا فندق فيها ولا مطعم.

<<  <   >  >>