للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإذا ما وصل إليها الاستعمار، فتلك هي النهاية. المتحف سوف يفرغ من محتواه الذي أودعته فيه القرون كما حدث في النواحي الأخرى في الجزائر.

هذه الفكرة زادت من قلقي. وتملكتني الغيرة والشكوك كما يغار المرء على زوج جميلة. كنت أخاف من أولئك المسافرين الذين يمرون لبعض أعمالهم بـ (أفلو). كان كل وجه جديد يزعجني وأتساءل لماذا جاء إلى هنا؟

وما كانت كل جولة بين القبائل إلا لتؤكد في نفسي هذه الحالة من القلق.

ففي قسنطينة وتِبسَّة وأخيراً في فرنسا اكتسبت معرفة عملية بخطر الاستعمار، ولذا فقد كان لي أن أتوقع مفاسده بين أولئك الناس الذين يعيشون العصر الذهبي الذي عرفته جدتي الحاجة (بايا)، تسودهم البراءة في عاداتهم وقيمهم الأخلاقية وشروط حياتهم الاقتصادية.

والقوم في (أفلو) لم يكونوا في الوقت الذي وصلتُ فيه إليهم قد بلغوا المرحلة الزراعية. لقد كانوا ما يزالون رعاة، يمارسون تربية المواشي على نطاق ضيق أو واسع بدرجة غير معروفة في المناطق الأخرى.

وأضرب مثلاً رجلاً يدعى (أبّا Abba) يمتلك حوالي ثلاثين ألف رأس من الغنم، أما نصيبه من الإبل فكان لا يقل عن الألف وله عدد مماثل من الخيول والبقر.

في مثل هذه الشروط ليست الخيمة في قليل أو كثير دلالة بؤس يعمد إليها من لا قطيع له ولا كوخ، ويصنعها من أي قماش تصل إليه يده أو أي خرقة. إنها ضرورة يفرضها حَلّ الراعي وترحاله مع قطعانه، وهي لذلك ذات نسيج وحجم يتفق والثروة الحيوانية التي لصاحبها.

خيم منطقة (أفلو) تستطيع استقبال فارس على صهوة جواده، وهي تستضيف تحت قبتها الهرمية العشرات من المدعوين. وهؤلاء لا يُستَقبلون في

<<  <   >  >>