للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذلك إلى حدود السودان. ومدة الذهاب والعودة التي حكمتها مسيرة القطيع بما يحفظ عليه صحته وإنتاجه، قد استغرقت عامين، وخلال ذلك فإن الراعي الأمين لم يأخذ من هذا القطيع غير ما جادت به أثداء النوق من لبن لغذائه.

والرعاة في (أفلو) لهم أيضاً ظواهر غريبة. إنهم يمضون الليل وقوفاً وسط القطيع. وتحسب أن الراعي لا ينام، لكنه وهو متكئ على عصاه ينام واقفاً. ومع ذلك فأقل حركة في محيط القطيع تنتقل إلى ساقيه انتقال الموج وتجعله يفتح عينيه. ذلك أنه من أجل اتقاء هجمات ابن آوى في الليل فأجيال الرعيان في (أفلو) تعلمت النوم هكذا وقوفاً.

لكن السمة الأبرز في أولئك القوم من الرعيان هي بلا جدال كرمهم. فالفلاح يعمل ويزرع ليخزن محصوله بعد ذلك، إنما الراعي يعمل وينام واقفاً وسط قطيعه كيما يستقبل بكل ترحاب ضيوفه. وكثيراً ما أضحت روح الضيافة عند بعضهم حالة مَرَضية.

وحين يكون أعضاء المحكمة في رفقة القاضي في جولة خارج (أفلو)، فالموكب بسائر أعضائه مجتاز البراري الخضراء والسهول المغطاة بالحلفاء: نتغدى في مكان، وفي مكان آخر يكون العشاء والنوم. وفي كل مكان نحطّ رحالنا فيه يكون طعامنا الحمل المشويّ، يُشوى بكامله على نار الحلفاء سواء كنا ضيوف الغداء أم ضيوف العشاء.

والفرصة سانحة حينئذ وخصوصاً في المساء لتعقد حلقة الساهرين تحت خيمة مضيفنا وجيه القوم.

فحين يفرغ الرعاة من طعامهم ذلك المساء وقد شاركونا أكل اللحم المشوي والكسكوسي، فإنهم ينسحبون بلباقة السادة ليأخذوا مواقعهم وسط قطعانهم، ويبقى الشيوخ والشباب يسامروننا وهم يقصون علينا النوادر.

<<  <   >  >>