للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان كل منهم قاص جيد. وربما يتكلم العربية دون التزام بقواعد اللغة، لكنها الأصفى بلا ريب في سائر أنحاء الجزائر.

هكذا أصبحت الرحلات التي تقوم بها المحكمة بمثابة العيد عندي. وفي رحلة من تلك الرحلات كان ثمة ما هزني كما لم يهزني من قبل.

فلكي يتفادى موكبنا أحد المضارب فقد أمر القاضي أن يتخذ طريقاً متعرجاً. لم أفهم السبب، وفجأة أبصرنا فارساً من ذلك المضرب يعدو بسرعة ليلحق بنا. سلّم علينا وهو يتوجه نحو القاضي قائلاً:

- ياه! شيخ (بن عزوز)، مضربنا إذن مقبرة حتى ابتعدت عنه!

كان الرجل في الأربعين من العمر، عليه سيماء النبل وهو فوق جواده يمتطيه بغير سرج، لم نر في صورته السخط أو الغيظ، إنما كانت نبراته تنبئ عن شيء من العتاب. ورأيت الشيخ القاضي يجيبه محرَجاً:

- لا بل نحن في عجلة من أمرنا وقد تفادينا مضربك لا لأننا لا نرغب في زيارتك، ولكن لعلمنا بأنك ستمسك بنا.

أجاب الرجل بلهجة حازمة:

((أرجوكم أن ترجعوا لتمضوا الليل تحت خيمتي)).

أذعن الشيخ وتبعناه. وفي الطريق سألت معاون المحكمة الحاج (محداً) عن مغزى ما حدث وقد كان عندي المرجع في شؤون المنطقة ورجالها.

قال لي: ((هذا الرجل كان يملك ما يقرب من خمسة آلاف رأس من الغنم. ولكن منذ عامين أصابتها آفة قضت على معظم القطيع، ولذا فقد أراد القاضي أن يتفادى خيمته حتى لا يسبب له نفقات إضافية)).

استقبلنا الرجل بكرم الأمراء في خيمة تشهد بسابق غنى صاحبها. كلّ منا

<<  <   >  >>