للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

إنني أدلي هنا بهذا الاعتراف الصغير لأولئك الذين يتحدثون اليوم في الجزائر عن استغلال الإنسان للإنسان، حتى يتقنوا هذا الاستغلال بصورة أفضل.

وإليكم تفصيلاً مضحكاً. فحين مروري بقسنطينة تقابلت مع (دورنون)، الذي سألني عما أنوي فعله إذا كنت، أرغب في البقاء بـ (أفلو) فأجبته ببراءة:

- سأتاجر بالـ ( pyrèthre) يا سيدي المدير؛ وصرخ بشيء من الذعر:

- تتاجر بتهريب الأسلحة؟

وقد أدركلت على الفور بأنه قد خلط بين ( pyrèthre) ومركبات (كبريت الحديد pyrites)؛ فأوضحت له نواياي السلمية حتى يطمئن إلى مستقبل الاستعمار في الجزائر. ألم نكن في عام ١٩٢٨ أليس كذلك؟.

اطمأن دورنون، ولعله كان يفكر في مهر بناته لذلك فقد عرض عليّ أن نفتح سوية (كشكاً) لبيع الدخان. وأجبته: إننا نستطيع سيدي المدير أن نهتم بتربية الخرفان فهذه تجارة أربح.

بدت له الفكرة مغرية، وهي قد أغرتني أكثر لكن المدير حققها في النهاية مع مدرس من تبسة. فقد عرف هذا الأخير أن يقنع المدير بأن مستقبل بناته في الزواج سيكون أضمن، حين يكون الأمر في يديه من أن يكون في يدي.

وهكذا بقيت أبحث عن مستقبلي. وفيما أنا أوزع وقتي بين أمي التي أحب صحبتها كثيراً، والنادي الذي كنت أحرك فيه مع أصدقائي الأفكار الجديدة، ومقهى (باهي) حيث كنت أستمع للأسطوانة المصرية، كان السؤال الدائم يُقلِّب في ذهني وجوهه: (ما العمل)؟

كنت أقرأ أيضاً أعداد (العصر الجديد) التي عادت الإدارة فسمحت بإصدارها. وكنت أغترف منها ذلك الغذاء الروحي الذي يروي تعطشي لمعرفة

<<  <   >  >>