للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(شاتودان Chateaudun) فتقدمت إليها. لكن عطلتي انتهت قبل أن يأتي جواب النائب العام في الجزائر.

وفي الصباح غادرت تبسة عائداً إلى (أفلو)، وأمي متكئة على عكازيها صبت بين قدمي (ماء العودة) عند سلم المنزل، إذ لم تكن تستطيع النزول لتشيعني حتى الباب.

حين وردت موافقة النائب العام كان رحيلي من (أفلو) مؤثراً. فالقاضي الهمام (بن عزوز) بكى لافتقاده نزيلاً يأكل على مائدته طيلة عام بالمجان. ابنه سي عمر انهار أيضاً واتهمني بالعقوق إذ طلبت نقلي من أفلو، حقاً فقد جُبِلْتُ لأعيش بين هؤلاء القوم أولي الشهامة في حياتهم البسيطة والنبيلة معاً.

لكنني كنت أحمل بين جوانحي عذاباً لا تخفف منه (أفلو). وهكذا كان رحيلي ضرورياً.

ولكن تصوروا لو أنكم تسكنون في بناء جميل في جناح تدخله الشمس من كل جانب، وتسرحون النظر في طيور السماء ونجومها، وفجأة ترون أنفسكم قد أودعتم في كهوف ذلك البناء لتسكنوها.

كنت تماماً في ذلك الوضع منذ وصولي إلى (شاتودان)، كانت هذه البلدة مركزاً كبيراً للمستعمرين، كل شيء فيها يخضع لقانون الاستعمار.

أما حياة السكان الأصليين فكانت نوعاً من الإقامة في أرض أجنبية، كانت فارغة من كل محتوى أصيل وصحيح، كإنتج مصطنع يمثل في ظاهره شيئاً ما لكنه ليس في حقيقته الشيء نفسه. لم يدعُ أحد من القوم ذلك العَدْلَ الشاب الذي وصل به الأمر إلى درجة لا يعرف معها أين يسكن. وفراشي أخرجني والحمد لله مرة أخرى من هذا المأزق. لقد مددته على مقعد قاعة محفوظات المحكمة. وكان في المدينة امرأة يهودية عجوز قد اتخذت من دارها لتعيش هي

<<  <   >  >>