فبانتقالي من قسنطينة إلى تبسة، وجدتني في إطار جديد أمام عناصر ومؤثرات تختلف عن سابق نشأتي.
في تِبسَّة تختلف وسائل اللعب عنها في قسنطينة، فأطفال مدينتي الأولى قسنطينة أَكثر رفاهية وبالتالي فقد كانت لعبهم أكثر أناقة ورقة، فالصغار منهم يتلهون بلعب صغيرة صنعت محلياً من خشب ملون، فهي أشبه ما تكون بتلك الصناديق الرخيصة الثمن التي كانت تحملها عرائس قبائل تبسة ضمن جهازها، والذين هم أسنّ كانوا يلعبون بالقفز أو بلعبة أخرى هي (الكينة quinet). في تِبسَّة كانت اللعب تعتمد على مزيد من القسوة والصلابة المتأثرة بالتقاليد المحلية، وبعضها كان أحياناً يقترب من السحر والشعوذة.
هناك أيضاً الألعاب الموسمية، ففي الربيع تجري المباريات الرياضية بلعبة (الكورة) بين أبناء المدينة وأبناء الزاوية، وكثيراً ما كان بعض الكبار يشتركون فيها؛ أما الكورة فكانت عبارة عن عقدة من غصن سنديان أو أنها مصنوعة من شعر الماعز. أما قاعدة اللعب فتقضي بأن يحاول كل فريق توجيه كرته إلى أرض الفريق الآخر، بواسطة عصا صنعت من غصن سنديان معكوفة عند طرفها شويت على نار خفيفة (الخوص)، ولعلها تشبه إلى حد ما العصا المستعملة اليوم في لعبة (الجُلف).
وهناك لعبة أخرى ربما كانت أخطر، وهي عبارة عن حرب صغيرة تقوم بين صبية تبسة وأولاد الزاوية. وهذه معروفة أيضاً في قسنطينة حيث يتقابل بضراوة أبناء حي القنطرة مع صبية باب الجدابية. على أن أكثر ما كان يثير اهتمامنا نحن أبناء تبسة السطو. كان يحيط بالمدينة منطقة خضراء يقوم بعض المزارعين باستغلالها في إنتاج الخضار، وفي موسم الخسّ والفواكه كنا نحن الأطفال نغرو هذه الحقول ونسطو على ما يتيسر من إنتاجها. بل كثيراً ما كان الأطفال يهربون من مدارسهم جماعات جماعات ليغيروا على هذه الحقول. ولعل أطفال