فولت، أرجوك أن تخرج من حيث أتيت وتدخل من الناحية الأخرى من باب الدخول.
لا أدري إذا ما فهمت في تلك اللحظة أن الأشياء تؤتى من أبوابها، ولكن القصة تعبر عن ذلك.
وحدث لي حادث آخر في ميدان (كنكورد)، فقد ذهبت لاكتشافه ذات عشية عند الغروب، في ساعة يكتظ فيها مرور السيارات بسبب الخروج من العمل، وها هي ذي المصابيح تضيء بنورها الكهربائي محيط الميدان الفسيح دون أن تزيح الظلام المخيم على وسطه تماماً، فعزمت أن أعبر إلى الناحية الأخرى، ولم أكن على خط مرور المارة، فانتظرت أن ينقطع سيل السيارات من ناحيتي، وانطلقت في فضاء الميدان الشاسع فلم أقطع إلا ستة أو سبعة أمتار حتى رجع السيل وطوقتني السيارات من كل جانب، خط يسير أمامي وخط ورائي، لا يترك كل خط إلا قدر القدمين لهذا الرجل المذهول، الذي يبدو للناظر أنه امرؤ يريد الانتحار، كما يبدو أن سائقي باريس لا يحبون من يأتي ليلقي بنفسه تحت عجلاتهم، فكانت كل سيارة تتجنبني قدر الإمكان، بينما سائقها يصرخ في وجهي:
- يا عبيط! ... يا بليد! ...
وهو حينئذ كأنه يثأر لنفسه من الصدمة التي أصابته من جراء هذا (العبيط البليد) صاحب البزة المشرقة ..
...
إن صُبيحات باريس الخريفية تتمطط في خرق من ضباب يغشّي أسطحة المدينة وجدرانها إلى التاسعة، فيبقى التنوير الكهربائي في غرف حراس العمارات وفي المقاهي، التي تقدم للزبائن الذاهبين إلى الشغل قهوتهم إلى ساعة متأخرة.