الفكرية؛ ولكن علاقاتنا العائلية ستبقى على أية حال كما هي، كما شعرت بذلك وهو يذكر لي أنباء سارة عن الأسرة، من بينها أن سكننا تغير من ذلك الزقاق المحدود الذي تركته قبل سنتين إلى شارع (الرسول)، هذا الاسم الذي أضفته تبسة على أحد شوارعها، بفضل أحد أعضاء مجلس البلدية المسلمين (حشيشي مختار)، ليس بالسمة الوحيدة التي تتسم بها وحدها إلى اليوم من بين مدن الجزائر، والتي تعبر عن أنها مدينة إصلاحية، أي في المضمون السياسي مدينة مناضلة كما كانت تفهم ذلك جيداً السلطات الاستعمارية، فكانت تخص سكانها برعاية خاصة.
فرحت بأني أصبحت من سكان شارع (الرسول)، وزادت فرحتي عندما علمت أن بيتنا الجديد الذي وضعت تخطيطه والدتي الأمية قد شيد كما كنت أتمنى، فزال عني الكابوس الذي لم يفارقني بباريس منذ أخبرني والدي بما حدث له مع رئيسه.
وصلت إذن في أطيب الظروف النفسية إلى المنزل، فاستقبلتني والدتي بقبلتها الحنون، وهي متكئة على عكازيها بأعلى الدرج، وزوّرتني على الفور بيت زواجي:
- لا حول ولا قوة إلابالله ... لو تعلم أنني تزوجت؟
وسرعان ما طرد هذا التخمين من نفسي، طرده السرور المنتشر في البيت المنبثق من كل العيون حولي، غير أنني لم أستطع في هذا الجو السعيد أن أنسى ما تسبب سلوكي بباريس لوضع أسرتي بالجزائر، فكنت أشعر بهذا الإثم حتى في تلك اللحظة.
وكانت والدتي تتمتع بصحة جيدة، ما عدا عطب رجلها، فهذا على أية حال ينسي ذاك، أو يخفف من حدته، خصوصاً أن لي بتبسة تلك الليلة أكثر من مصرف للتخمين.