كل جزائري قانون الصمت ولو شاهد المنكرات لئلا يستفيد- حسب زعمها- الاستعمار من كلامنا، والله يعلم كم استفاد من صمتنا.
ولكن الفترة كانت خصبة تم فيها بناء المدرسة الإصلاحية والمسجد، وأسهم في البناء كل حسب مقدوره، وتطوع من تطوع، فتولى صديقي (المكي) كل ما يتصل بأعمال النجارة مجاناً، ولم يكن أمراً هيناً، حتى إن امرأة عجوزاً أتت بديك لها، هو كل ما لديها من الرزق.
وكانت عودة الشيخ (العربي التبسي)، من مدينة (سيق) منتظرة ليوم التدشين القريب، وانضم تحت لواء الإصلاح حتى عرابدة تبسة ومدمنوها العاكفون على الخمر، مثل (بنيني وفندرودي وبيريلا) وغيرهم من عُبّاد باخوس، كما انضم كثير من الذين يعيشون في كنف الاستعمار.
ونقل نادي الشبيبة الإسلامية لافتته من مقره الصغير الذي تأسس فيه سنة ١٩٢٥، إلى مقره الجديد في الميدان الرئيسي وأصبح يزاحم المقاهي الأوربية الكبرى، وبالتالي كانت الملامح الاجتماعية كلها تتغير في المدينة بينما بقيت في سيرها الإصلاحي منذ غادرتها قبل سنتين، إن الفكرة الإصلاحية التي تسربت في بعض عائلاتها قبيل عشر سنوات مع الشيخ (سليمان) - وكانت الميزة التي تميز بعض الأفكار المتنورة، أو التقدمية كما نقول اليوم- أصبحت تملأ شوارع المدينة، فلم تعد مدام (دوننسان) تشاهد ذلك المنظر، عندما يتحرك من زاوية (١) الطريقة القادرية الموكب الصاخب الذي يصحب العريس إلى بيته ليلة الزفاف، وذلك لأن سيدي الشافعي شيخ الطريقة، انضم هو الآخر تحت راية الإصلاح، وأغلق باب الزاوية دون أن يفكر أحد في فتحه، احتراماً لذلك الشيخ الوقور ...
(١) تعبر هذه الكلمة في الجزائر عن مقر الرابطة ومركزها حيث يجتمع الإخوان.