وكانت تبسة تنتظر أيضاً الشيخ (الإبراهيمي)، إذ قيل إنه سيأتي، ثم أتى وألقى درساً سيبقى أشهراً حدثاً يُذكر في مساوات الناس، خصوصاً أن سيدي الشافعي هو الذي افتتح الدرس بسؤال ألقاه. إن مدام (دوننسان) والسيدات اللواتي يجتمعن حولها في دكانها، الذي كان نادياً ومرصداً لمراقبة الحياة الأهلية، قد بدأن قطعاً يلاحظن هذه التغيرات، التي كان من شأنها أن تغير تلقائياً العلاقات النفسية القديمة بين المستعمرين وأهل البلاد، إذ كان الأولون يعتقدون أن لهم ملكوت الأرض بلا منازع، والآخرون يعتقدون أن لهم ملكوت السماء، فأصبح أُولئك يعدون سلطانهم لا يستحيل الوصول إليه للنيل منه، وهؤلاء يعلمون أن دخول الجنة ليس بالمجان والدعاء الصالح فقط.
وتوالت أيام إقامتي بتبسة في هذا الجو السعيد، لم يعكره سوى نبأ لا يعني ظاهره شيئاً ولكن ...
كانت جريدة (قسنطينة) تصل إلى تبسة كل يوم في الساعة الحادية عشرة، فيطلع فيها التبسيون على الأنباء اليومية، فطالعتها كعادتي ذلك اليوم وأنا على سطح أحد مقاهي الميدان الرئيسي، وإذا بنبأ صغير يقع تحت نظري، مفاده أن السيد (هيريو) رئيس الحكومة الفرنسية إذ ذاك، ذهب للاستجمام بمحطة (سان سبستيان) على الحدود الإسبانية، هذا كل ما في ثلاثة أو أربعة السطور.
ولكن مقارنات الأحوال في تلك الفترة جعلتني أرى من النبأ أكثر من هذا، خصوصاً الحملة الصاخبة التي قامت بها الصحافة الاستعمارية- مثل جريدة (قسنطينة) - ضدى الحكومة الاسبانية منذ فشا أمر تأسيس المعهد العربي بقرطبة أو غرناطة، ولأن نبأ استجمام (هيريو) قد اقترن ما في ذهني بنبأ آخر نقلته الصحيفة في اليوم نفسه، أو في عدد سابق، مضمونه: أن الحكومتين الفرنسية والإسبانية، تعاقدتا على صفقة موالح، فخطر ببالي أن مدريد عوضت مشروع المعهد العربي بصفقة رابحة تصدرها إلى فرنسا، وأن السيد (هيريو) ذهب