للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإذا بوالدتي تفاجأ كل صباح، بأن ماء (عين أقطر) يعكر حالما تضعه في ذلك الإناء، فتلقي به. وتنظف الإناء لتضع فيه ماءً جديداً نشتريه فيتعكر بدوره، ودامت هذه الظاهرة تشغل بالها عدة أيام بعد وصولنا، حتى وضعت ذات صباح الماء كالعادة، وإذا بطبقة الكلس تنزل كلها مرة واحدة في قعر الإناء ... فتحدثنا كثيراً بعد ذلك عن صلاحية ماء (أقطر) العجيب لتحليل الحصى.

واستمرت الأيام سعيدة هكذا أمام أجمل مناظر الطبيعة، لأن المحطة تمتاز بأنها على سفح جبل وعلى شاطىء البحر، بحيث يستنشق المقيم روائح النبات العطرية والهواء المشحون برائحة اليود.

كنت أتنزه تارة في الجبل وتارة على شاطئ البحر، وأُراجع المواد التكنية التي أشار إليها مسيو (سودريه)، خصوصاً (الترمو ديناميك)، وأُفكر أحياناً أخرى في هذا الجو الهادئ المخيم عليه السكون، إلاّ مرة في الأسبوع في اليوم الذي تأتي فيه بعض الأسر القروية التونسية لتقضي نذورها تحت قبة شيخ هو وليّ المكان، فترتفع عندئذ أصوات الزائرين وخصوصاً الزائرات، ويدق الدف تحت القبة حسب تقليد متوارث.

دامت هذه الفترة السعيدة واحداً وعشرين يوماً، فأرادت والدتي أن تزيد بعض الأيام في الاستجمام، وفكرت أنا بالرحيل، وذات صبيحة ودعتُ والدي وسكبت والدتي بين قدميّ (ماء العودة).

سافرت فوجدت زوجي قد تأقلمت حتى في الملبس، لأنها وجدت صنفاً جديداً للأناقة في لباس السيدات المسلمات، حتى الحجاب؛ وتأقلمت أيضاً هرتنا (لويزة) التي كانت قد اعتادت عزلة الشقة بباريس، فأصبحت تعدو وترتفع في بستان الأسرة الكريمة المستضيفة لها ولمولاتها.

<<  <   >  >>