وكأنها شاغرة، الأمر الذي يروق لزوجي لأن المطبخ سيكون تحت تصرفها وحدها طيلة النهار.
انتقلنا من الغد وأعجبني السكن بسبب نظافة العمارة وهدوء المكان في هذا الشارع، كما أعجبت فيما يبدو الهرة (لويزة) بالمكان الذي احتلته فوراً على طرف نافذة المطبخ، فيصبح هناك مرصدها فوق رؤوس المارة القليلين بشارع (فريدريك مسترال).
وفي انتظار يوم افتتاح مدرستي، قررت زوجي أن تغتنم الفرصة لتعرفني على أمها، الأرملة التي توفي زوجها أثناء الحرب في معركة (فردان)، والتي تزوجت بمدينة (دروكس) على بعد ثمانين كيلو متراً من باريس.
كانت الفرصة ثمينة جداً، بالنسبة لي، لأن من يعرف باريس فقط لا يعرف إلا فرنسا ذات الوجه الملمع المهيَّأ، الذي مر بكل عمليات التجميل بشوارعها المتقنة التبليط، وأسطح مقاهيها المكتظة في النهار والليل، وبقطارها الجوفي (المترو) الذي ينقل تلك الحشود من البشر ممن لا يعرف فيها الواحد اسم الآخر، وبمخازنها الكبرى فلا يعرف البائع المشتري، وببناتها المشمرات كأنهن يتحدين المارة.
إن هذه الحياة المضطربة المصطنعة لا تعطي صورة صحيحة عن الحضارة الفرنسية، وإنما توجد هذه الصورة بنماذجها الأصيلة وأصولها البعيدة في الريف، في الطبيعة حيث تكونت صلة الإنسان بالتراب على مدى القرون.
توجهنا إلى (دروكس) والهرة (لويزة) معنا طبعاً، في حافلة امتطيناها بباب فرساي، وسرعان ما وجدنا أنفسنا بين جمهور غير الجمهور المألوف، بين القروي والقروية ومن أرياف (النرماندي) أو (لابوص)، عائدين من قضاء