وأصحاب مصانع كبرى أو صغرى وفلاحين، تقاعدوا في سن معينة حسب عرف شائع في أوروبا وفي فرنسا خصوصاً، يكونون طبقة لها دورها في تطور الاقتصاد خلال القرنين الأخيرين.
كان الواحد منهم- صاحب جرابة الصوف (١) كما يسمونه في الأرياف- يضع ما يكتسب بين يدي قاض موثق (النوتير) ليتصرف فيه أحسن ما يمكن التصرف، فيستثمر ما وضع بين يديه في عمليات اقتصادية محلية، ليجلب لصاحب (الجراب) أكثر ما يمكن من أرباح، تكون له مورداً شهرياً أو سنوياً فيتقاعد معتمداً عليه.
ولهذا ترى (بلغراس) - وهو لا شك أبرع كاتب عن الحياة الاجتماعية الفرنسية في القرن الماضي- تجمع غالباً قصصه، بين الوجوه القروية أو الحضرية التي تتشخصها ثلاث شخصيات: القس الذجما يتصرف في الأرواح، والطبيب الذي يتصرف في الأجسام، و (النوتير) الذي يتصرف في الأموال.
ولكن عندما دقت ساعة التصنيع في منتصف القرن الماضي، خرجت وظيفة (النوتير) من يديه، ليتولاها صاحب المصرف على نطاق أوسع في مشروعات اقتصادية كبرى، وذلك عندما تحول الإنتاج من الورشات اليدوية إلى المصانع الميكانيكية الكبرى، وتحول بسبب ذاك المال الفردي من الحقل المحلي إلى رأس المال الذي لا ينتسب لفلان، ولا تحد حقله حدود مكان.
كانت (أمي) من هذه الطبقة التي حركت قبل قرن، عجلة الرخاء في العهد الاقتصادي الجديد، ولكنني وجدتها في الفترة التي بدأت فيها عملية الرخاء تطحنُ مَنْ حَرَّكهَا، كانت الفترة صعبة جداً بالنسبة إلى هؤلاء المتقاعدين، لأن
(١) يسمونه هكذا على سبيل المزاح والألفة لأنه يضع ما يقتصد من ذهب أو فضة في (جرابة صوف).