فرنسا كانت لا تزال تعاني رواسب الأزمة الاقتصادية الكبرى التي اجتاحت العالم سنة ١٩٢٩، وكان أثرها في الجزائر ما كان، حتى تخلصنا أنا وصهري من (المطحنة) ذات الرحا التي أسسناها بدوار جساس، وطحنتنا في آخر المطاف.
وأصبح المتقاعد الفرنسي، في تلك الفترة لا يستطيع التوفيق بين مورده المستقر- على أحسن الأحوال- وأسعار هي نتيجة حالة اقتصادية سائرة إلى التدهور، فأصبح يفكر كيف يعوض نقص مورده تجاه ارتفاع الأسعار.
لقد عزمت (أمي) أن تعود مع زوجها إلى ممارسة بعض النشاط القروي الذي يناسب سنهما، ورأت أنها تستطيع تربية الدواجن والأرانب، ومن أجل ذلك غيرت سكنها من بيت لا مرافق فيه إلى بيت جديد، كان قطعاً مزرعة بكل مرافقها لإسكان الحيوان مع بعض الحقول لتغذيتها.
استقبلتني (أمي) هاهنا، مع زوجي والهرة (لويزة) التي تحولت على الفور إلى قطة برية، تعيش أوقاتها في أرجاء العزبة الرحيبة، تقتنص فراخ الدواجن فتنالها مناقير الأمهات.
أما أنا فأصبحت أسرح ماشياً في تلك الممرات الخضراء المتجمعة بين الحقول في الاتجاهات المختلفة، إلى المداشر الصغيرة الموجودة حول مدينة (دروكس)، ووجدت تلك الروائح الريفية التي طالما كنت أستنشقها أثناء تنقلاتي بريف تبسة مع الشيخ (بلجودي)، أو بريف (أفلو) مع الشيخ (بن عزوز)، وكانت الأسرة أثناء وجبات الطعام تجتمع تحت صولجان مدام (مورناس) فنفرش المائدة، وتعين لكل واحد مقعده وتتولى توجيه الحديث أثناء الطعام.
كانت هذه المرأة- التي سميتها (أمي) من دون تردد منذ اللحظة الأولى - امرأة من طراز خاص: لو وُلِدَتْ رجلاً لنجحت في الصفقات التجارية، أو نبغت في السيرك؛ كانت من أصل باريسي تجيد النكتة، ولكنها ورثت من