ولم تكن امرأة تبدع في بيتها مثل خديجة وتتقن إتقانها، من ناحية النظافة والتجميل كان ترتيب الأشياء ميزة لها على وجه الخصوص، فقد طُلب منها ذات يوم في أحد تنقلاتها بين الجزائر وفرنسا، أن تفتح حقيبتها لموظف الجمارك، فعندما فتحتها وشاهد الموظف دقة ترتيبها وجماله، عدّ من العبث أن ينقضه بتفتيش على لا شيء فقال:
- أغلقي سيدتي حقيبتك، إنني لا أريد أن أضع يدي في هذا البناء الدقيق. كان ذلك صحيحاً، وقد كنت أشاهد ذلك في بيتي، حيث لا يسمح لي بالدخول إلا وأقدامي على قطعة قماش سوف أجدها عند الباب، حتى لا يخدش نعلي البلاط الخشن الممسوح بمادة تجعله يبرق كمرآة.
وما ننتهي من الأكل، حتى تصبح المائدة وسط الغرفة لتوضع عليها تحفة فيها طاقة من الزهور، تشتريها زوجي كل مرة حين تذهب إلى سوق باب فرساي، حتى القطة (لويزة) عندما تغادر مرصدها وتأتي إلى الغرفة، تصبح هي الأخرى مجرد تحفة يراها الزائر في بيت عرائس، وإذا قلت إن (أمي) لو وُلدت رجلاً لنجح في الصفقات التجارية أو نبغ في السيرك، فإنني أقول إن ابنتها لو ولدت كذلك، لكانت فناناً ماهراً في فن التجميل، وربما تفوقه بما تصنع بيدها من آيات من الذوق ببعض خشب وبعض قماش مزركش من نوع الكريتون الرخيص جداً.
إنني أذكر هذه التفاصيل لأنني أعدها دالة على التطور النفسي الذي سيجعلني أشد الناس نفوراً لكل ما يسيء لذوق الجمال، ولأنها تفسر ثورتي على بعض جوانب تخلفنا التي تصبح موضوع السخرية في بعض المجلات، بإيعاز تلك الأوساط التي تتدخل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لإبقاء الوضع على ما هو عليه، باسم الوفاء للتقاليد عندما نحاول نحن، تحت أي راية تقدمية، أن نغيره، غير أن الاستعدادات التي تدفعني إلى هذا الموقف كانت أصيلة في نفسي، لم