للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لقد كانت غرفة النوم كبيرة جداً، وكانت لذلك تستعمل أيضاً غرفة استقبال للسيدات اللواتي يأتين لزيارة خالتي أو من أجل ضيوف عمي.

وكما هو شأن القاعات الكبيرة في قسنطينة كانت توجد في تلك الغرفة زاوية بشكل مخدع للنوم، فيها آلة موسيقية أكبر قليلاً من بيانو عادي تشير إلى اهتمام بالموسيقا في ذلك المنزل، وفي زاوية أخرى مقابلة خزانة ذات طراز غير محدد فوقها ساعة ومزهريتان للزهور الطبيعية، وفي الطرف الآخر من الغرفة كان سرير من الطراز نفسه تقريباً.

كان ذلك كله في مجموعه لطيفاً ونظيفاً، وبدا لي بَهيّاً حينما أضيئ بنور قنديل من البترول، فالمنزل لم تكن قد دخلته الكهرباء بعد.

لقد كان استقبال عمي وزوجه لطيفاً فلم أشعر بذلك الضغط الذي كان يمارسه والدي عند كل هفوة، ولا بذلك الخجل الذي يفرض على الأطفال في العائلات المسلمة بحضور الآباء. ففي تبسة كنا نلهو أخواتي وأنا عند غياب والدي عن البيت.

ولذا فعند المساء أخذت أتحدث مع عمي وزوجه أثناء العشاء. وعندما حانت ساعة النوم وأويت إلى فراش أعدته خالتي لي على الأرض واعتقدت أنني نمت، سمعتها تقول لعمي: ((ألا ترى أن ابن أخيك يتحدث جيداً بالقياس إلى من هم في سنه؟))؛ وأخذني بعد ذلك النوم وفي قلبي نفحة من الفخر والاعتزاز. ذلك كان الإطار الجديد الذي فيه جرت أحداث مرحلتي الجديدة.

كان استيقاظي في الصباح أخاذاً. وخالتي أعدت لي فطوري بوصفي ضيفاً كبيراً، فقد قدمت لي المكرود (١) مع القهوة باللبن، وبينما كان عمي يغسل وجهه


(١) المكرود: حلوى جزائرية تصنع من السميد والتمر والسمن أو الزيت، يضاف إليها العسل بعد نضجها. (ترجمة قنواتي)

<<  <   >  >>