للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

باحة فضاء سماوية. وحول طاولات قليلة الارتفاع مغطاة بطبقة من التوتياء كان بعض جماعات من عمال التغليف يعملون. وكانت علب الدخان، بعد أن تأتيهم من المسؤول عن الأوزان، تمر بين أيديهم المرنة التي تتولى لصق إشارة المصنع المزخرفة حول كل علبة بواسطة مادة لزجة مصنوعة محلياً من الدقيق.

وكان صاحب العمل المعلم يرتدي ملابس ذات طراز قسنطيني قديم يجلس وراء مكتبه ليدير العمل، وقد مر به عمّي محيياً ودخل إلى قسم المحاسبة، ولست أدري أي شيء من التعليمات أعطى زملاءه.

خرجنا من المصنع وما هي غير خطوات يسيرة حتى كنا عند مدرسة سيدي الجلي.

لقد عرف (مسيومارتان Martin) فوراً عمي تلميذه القديم. وعند تقدمي إليه كان يبدو سعيداً برؤيتي تلميذاً له بعد أبي وعمي، وقد عبر عن ذلك حينما دخلنا الصف.

ولعل حضوري جعل ذلك المعلم الشيخ يقدر قيمة جهوده في جيلين من العدول والمعلمين ومساعدي الأطباء. وهكذا وضعت معه في ذلك الصف أول قدم في المرحلة الثانية من دراستي.

...

التوجيه الذي أرادته عائلتي لي والذي تحدثت عنه فترة الصيف هو أن أكون عدلاً في الشرع الإسلامي. لقد اضطرني ذلك مع زميل لي تبسي نجح مثلي في امتحان المنحة أن أسجل نفسي في دروس الشيخ عبد المجيد، الذي كان أستاذاً في المدرسة يعدّ فيها التلاميذ الذين يختارون هذا الاتجاه. هذا الشيخ من ناحية و (مسيو مارتان Martin) من ناحية أخرى كوَّنا في عقلي خطين حدّدا فيما بعد ميولي الفكرية.

والشيخ عبد المجيد كان يعطي دروسه في النحو كل صباح في الساعة السابعة في المسجد، ولذا كان علي أن أستيقظ باكراً للذهاب إلى هناك؛ كان يجلس داخل المحراب ونتحلق نحن من حوله.

<<  <   >  >>