للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتأويل وجه صوابه إذا نصبتَ: أن يوجَّه إلى أن يكون صفةً للهاء والميم اللتين في " عليهم " العائدة على " الذين ". لأنها وإن كانت مخفوضة بِ " على "، فهي في محل نصب يقوله: " أنعمت ". فكأن تأويل الكلام -إذا نصبت " غير " التي مع " المغضوب عليهم"-: صراطَ الذين هَدَيتهم إنعامًا منك عليهم، غيرَ مغَضوبٍ عليهم، أي لا مغضوبًا عليهم ولا ضالين. فيكون النصب في ذلك حينئذ، كالنصب في " غير " في قولك: مررت بعبد الله غيرَ الكريم ولا الرشيدِ، فتقطع "غيرَ الكريم" من "عبد الله"، إذْ كان "عبدُ الله" معرفة مؤقتة، و"غير الكريم" نكرة مجهولة.

وقد كان بعضُ نحويِّي البصريين يزعم أنّ قراءة مَنْ نصب " غير " في "غير المغضوب عليهم"، على وَجه استثناءِ "غير المغضوب عليهم" من معاني صفة "الذين أنعمت عليهم"، كأنه كان يرى أنّ معنى الذين قرأوا ذلك نصبًا: اهدنا الصراط المستقيم، صراطَ الذين أنعمتَ عليهم، إلا المغضوبَ عَليهم -الذين لم تُنعم عليهم في أديانهم ولم تَهْدهم للحق- فلا تجعلنا منهم. كما قال نابغة بني ذبيان:

وَقَفْتُ فِيهَا أُصَيْلالا أُسَائِلُها ... عَيَّت جَوابًا، ومَا بالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ (١) إلا أَوَارِيَّ لأيًا مَا أُبَيِّنُهُا ... والنُّؤْيُ كالحَوْضِ بالمَظْلُومَةِ الجَلَدِ (٢)


(١) ديوانه: ٢٣، ويأتي في تفسير آية البقرة: ٣٥ (١: ١٨٦ بولاق) ، وآية النساء: ١١٤ (٥: ١٧٨) ، وآية يونس: ٩٨ (١١: ١١٧) وآية سورة الليل: ٢٠ (٣٠: ١٤٦) . يقال: لقيته أصيلالا وأصيلانًا، إذا لقيته بالعشي. وذلك أن الأصيل هو العشي، وجمعه أُصُل (بضمتين) وأصلان (بضم فسكون) ، ثم صغروا الجمع فقالوا: أصيلان، ثم أبدلوا من النون لامًا. فعلوا ذلك اقتدارا على عربيتهم، ولكثرة استعمالهم له حتى قل من يجهل أصله ومعناه. وعى في منطقه: عجز عن الكلام.
(٢) أواري جمع آري (مشدد الياء) : وهو محبس الدابة ومأواها ومربطها، من قولهم: تأرى بالمكان أقام وتحبس. ولأيا: بعد جهد ومشقة وإبطاء. والنؤى: حفرة حول الخباء تعلى جوانبها بالتراب، فتحجز الماء لا يدخل الخباء، والمظلومة: يعني أرضًا مروا بها في برية فتحوضوا حوضًا سقوا فيه إبلهم، وليس بموضع تحويض لبعدها عن مواطئ السابلة. فلذلك سماها مظلومة، والظلم: وضع الشيء في غير موضعه. والجلد: الأرض الصلبة، يعني أنها لا تنبت شيئًا فلا يرعاها أحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>