للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَعَاذِيرَهُ} حَاصله أَن الْإِنْسَان المقصر، المجادل عَن نَفسه، حجةٌ على نَفسه، وَلَو احْتج عَنْهَا واجتهد فِي ستر عيوبها، فَلَا تقبل مِنْهُ الْأَعْذَار؛ لِأَنَّهُ أُعطي البصيرة - وَهِي نور الْمعرفَة المركوزة فِي الْفطْرَة الأولى - فأعماها بهوى النَّفس وشهواتها.. بعد ذَلِك قَالَ - رَحمَه الله -:

((.. وَمعنى هَذَا كُله أَن الْإِنْسَان محجوبٌ فِي هَذِه الدَّار عَن إِدْرَاك الْحَقَائِق، بِمَا فِيهِ من الحظوظ والكسل والفتور، وَلما فِيهِ من النقائص، بَيْنَمَا كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مبرَّءاً من ذَلِك؛ لخلق الله إِيَّاه كَامِلا، وترقيته بعد ميلاده كلَّ يومٍ فِي مراقي الْكَمَال (...) . وَلكنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتعظيمه لهَذَا الْقُرْآن، لما لَهُ فِي نَفسه من الْجَلالَة، وَلما فِيهِ من خَزَائِن السَّعَادَة، والعلوم الَّتِي لَا حدَّ لَهَا (...) كَانَ يُحرِّك بِهِ لِسَانه استعجالاً لتعهُّده؛ ليحفظه وَلَا يشذَّ عَنهُ مِنْهُ شَيْء، وَلما كَانَ قد ختم - سُبْحَانَهُ - مَا قبلهَا - أَي مَا قبل هَذِه الْآيَات الْأَرْبَع - بالمعاذير، وَكَانَت العجلة مِمَّا يُعتذر عَنهُ، وَكَانَ الْحَامِل على جَمِيع مَا يُوجب الْمَلَامَة والاعتذار مَا طبع عَلَيْهِ الْإِنْسَان من حب العاجلة، قَالَ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} لِئَلَّا يمِيل إِلَى العاجلة، وَلَا يَقع فِي مخالفةٍ، إعلاماً بِأَنَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - قد دفع عَن نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الْحجب، وأوصله من رُتْبَة (لوكشف الغطاءُ مَا ازددتُ يَقِينا) إِلَى أنهاها، وَبِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قادرٌ على مَا يُرِيد من كشفِ مَا يُرِيد لمن يُرِيد، كَمَا يكْشف لكل إنسانٍ عَن أَعماله فِي الْقِيَامَة، حَتَّى يعرف مَا قدَّم مِنْهَا وَمَا أخَّر، وتنبيهاً على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا كسب لَهُ فِي هَذَا الْقُرْآن غير حسن التلقي، إبعاداً لَهُ عَن قَول الْبشر، (...) وَلما لم يكن لهَذَا التحريك فَائِدَة - مَعَ حفظ الله لَهُ على كل حَال - إِلَّا قصد الطَّاعَة بالعجلة، وَكَانَت العجلة هِيَ الْإِتْيَان بالشَّيْء قبل أَوَانه الْأَلْيَق بِهِ، وَلِأَن هَذِه العجلة وَإِن كَانَت من الكمالات بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِلَى إخوانه

<<  <   >  >>