المبْحثُ الثَّالث: تَارِيخ علم الْمُنَاسبَة
تنبَّه الشَّيْخ أَبُو الْفضل عبد الله بن الصّديق الغُماري - رَحمَه الله - إِلَى التَّمْيِيز بَين نَوْعي علم الْمُنَاسبَة، وَهُوَ تمييزٌ جيد، يُفِيد فِي مجَال التأريخ لكتابته، ورصد المهتمين بِهِ.. قَالَ - رَحمَه الله -: ((الْمُنَاسبَة علم شرِيف عَزِيز، قلَّ اعتناء الْمُفَسّرين بِهِ لدقته، واحتياجه إِلَى مزِيد فكر وَتَأمل. وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحدهمَا: مُنَاسبَة الْآي بَعْضهَا لبَعض، بِحَيْثُ يظْهر ارتباطها وتناسقها كَأَنَّهَا جملَة وَاحِدَة. (...) وَثَانِيهمَا: مُنَاسبَة السُّور بَعْضهَا لبَعض)) (١) .
وَلَعَلَّ أول من تكلم فِي علم الْمُنَاسبَة - على وَجه الْعُمُوم - هُوَ الشَّيْخ أبوبكر النَّيْسَابُورِي، كَمَا مرَّ مَعنا عِنْد كلامنا عَن المبادئ الْعشْرَة لهَذَا الْعلم.
وَأما بِالنّظرِ إِلَى نوعيه.. فَلَعَلَّ الْحَافِظ برهَان الدّين البقاعي هُوَ أهم - إِن لم يكن أول - من صنف فِي نَوعه الأول بشكل مُسْتَقل، وَذَلِكَ فِي كِتَابه الْمَشْهُور (نظم الدُّرَر فِي تناسب الْآيَات والسور) .. ونظراً لأهمية البقاعي فِي هَذَا الْبَاب، فَسَوف أفرده بالْكلَام عِنْد الحَدِيث عَن أبرز أَعْلَام هَذَا الْعلم. ثمَّ جَاءَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ فصنف (قطف الأزهار فِي كشف الْأَسْرَار) ، وَوَصفه بِأَنَّهُ ((كتاب فِي أسرار التنْزيل، وَبِأَنَّهُ جَامع لمناسبات السُّور والآيات، مَعَ مَا تضمنه من بَيَان وُجُوه الإعجاز وأساليب البلاغة)) .
وثمة كَلَام لِابْنِ الْعَرَبِيّ فِي كِتَابه (سراج المريدين) - نَقله عَنهُ الزَّرْكَشِيّ فِي
(١) جَوَاهِر الْبَيَان فِي تناسب سور الْقُرْآن، السَّيِّد عبد الله بن الصّديق الغماري، مكتبة الْقَاهِرَة، ص ١٤، ١٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute