للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

، فَنَاسَبَ بَين فِقَره ومقاطعه، ثمَّ تكلّف تكلفاً آخر فَنَاسَبَ بَين الْخطْبَة الَّتِي خطبهَا فِي الْحَج، وَالْخطْبَة الَّتِي خطبهَا فِي النِّكَاح.. وَنَحْو ذَلِك، وناسب بَين الْإِنْشَاء الْكَائِن فِي العزاء، والإنشاء الْكَائِن فِي الهناء.. وَمَا يشابه ذَلِك - لعُدَّ هَذَا المتصدي لمثل هَذَا مصاباً فِي عقله، متلاعباً بأوقاته، عابثاً بعمره الَّذِي هُوَ رَأس مَاله)) .. ثمَّ يَقُول: ((وَإِذا كَانَ مثل هَذَا بِهَذِهِ المنْزلة - وَهُوَ ركُوب الأحموقة فِي كَلَام الْبشر -، فَكيف ترَاهُ فِي كَلَام الله سُبْحَانَهُ، الَّذِي أعجزت بلاغتُه بلغاء الْعَرَب، وأبكمت فصاحتُه فصحاء عدنان وقحطان؟)) (١) .

والحقُّ.. أَن كلا من هَاتين الحجتين واهٍ، لَا يصلح لمثل هَذَا الِاسْتِدْلَال!

أما عَن الْحجَّة الأولى - وَهِي نزُول الْقُرْآن منجماً، بِمَا يُخَالف فِي بادئ الرَّأْي حِكْمَة التناسب - فدحضُها من أيسر مَا يكون، وحسبنا فِي هَذَا الْمقَام أَن ننقل مَا قَالَه الزَّرْكَشِيّ بعد تلخيصه لكَلَام الْعِزّ السالف ذكره حَيْثُ قَالَ: ((قَالَ بعض مَشَايِخنَا الْمُحَقِّقين: قد وهم من قَالَ: لَا يُطلب للآي الْكَرِيمَة مناسبةٌ؛ لِأَنَّهَا على حسب الوقائع مُتَفَرِّقَة، وفصلُ الْخطاب أَنَّهَا على حسب الوقائع تنْزيلاً، وعَلى حسب الْحِكْمَة ترتيباً، فالمصحف الَّذِي بَين أَيْدِينَا كالصحف الْكَرِيمَة، على وَِفْق مَا فِي الْكتاب الْمكنون، مرتبَة سورُه كلهَا وآياته بالتوقيف، وحافظ الْقُرْآن الْعَظِيم لَو استفتي فِي أحكامٍ مُتعَدِّدَة، أَو نَاظر فِيهَا، أَو أملاها، لذكر آيَة كلِّ


(١) انْظُر: فتح الْقَدِير الْجَامِع بَين فنَّي الرِّوَايَة والدراية من علم التَّفْسِير، مُحَمَّد بن عَليّ الشَّوْكَانِيّ، تَصْوِير دَار الْمعرفَة - بيروت، ١/٧٢، ٧٣
قَالَ البقاعي فِي نظم الدُّرَر (١/ ٨، ٩) : وَالشَّيْخ الْمشَار إِلَيْهِ هُوَ الْعَارِف وليُّ الله مُحَمَّد بن أَحْمد الملوي المنفلوطي الشَّافِعِي، ذكر ذَلِك فِي كلامٍ مفردٍ على قَوْله - تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ} و: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} .

<<  <   >  >>