((اعْلَم - هداك الله - أَن من أَسَاءَ الظَّن بهم، أولى بالْخَطَأ مِمَّن قصّر فِيهِ، فَإِن سوء الظَّن مِنْهُم مبنيٌّ على قلَّة مسامحتهم لهَؤُلَاء الأذكياء، وَقلة قدرهم لهَذَا الْعلم الشريف، فَإِنَّهُم لَو أنصفوا؛ لشكروا سَعْيهمْ. فَإِن من يَخُوض على الدرِّ فِي بَحر عميق لَا تَثْرِيب عَلَيْهِ إِن لم يفز بالفرائد، بل يسْتَحق الْمَدْح، وَلما فتح بَابا لمن يتبعهُم.. فكم ترك الأول للْآخر {وَلَا شكَّ أَن من بَين طرفا من النّظم لَهُ منَّةٌ على الْخلف، فَإِن هَذَا الْعلم لَا مطمع فِي بُلُوغ نهايته. وأيُّ علم استقصوه؟ } فَمَا بالك بِمَا هُوَ بَحر لَا تَنْقَضِي عجائبه؟ ! ومحاسن نظم الْكَلَام لَا تُعرف كلهَا إِلَّا بعد استقصاء مَعَانِيه، وَذَلِكَ يُبقي أَكْثَرهَا مكنوناً.فَالَّذِينَ أَنْكَرُوا وجود النظام فِي كتاب الله، بِمَا وجدوا من الضعْف فِي كَلَام الْقَائِلين بالنظم البليغ فِيهِ، وَإِن كَانُوا أقرب إِلَى الْخَطَأ مِمَّن أَسَاءَ بهم ظَنّه - فَإِنَّهُم أَيْضا معذورون فِي إنكارهم، لِأَن غرضهم لَيْسَ إِلَّا نفي ضعف النظام. فَإِن عدم الْقَصْد لشَيْء رُبمَا يكون صَحِيحا، وَلَكِن سوء التَّدْبِير لذَلِك الْغَرَض منقصة ظَاهِرَة. وَلَا شكّ أَن الْكَلَام الَّذِي لَيْسَ على نمط متسق، بل يحتوي على عدَّة مطَالب مقتضبة بَعْضهَا عَن بعض، مَبْنِيَّة على أَسبَاب جَامِعَة خَارِجَة عَن معنى الْكَلَام، كَمَا ذهب إِلَيْهِ كثير من أكَابِر الْعلمَاء - لأبعدُ عَن النَّقْص من كَلَام قُصد فِيهِ الوحْدة من جِهَة النظام، ثمَّ كَانَ مختلَّ النّظم، أَو ضَعِيف الرِّبَاط. فَلَا شكّ أَن هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين لم يقصدوا إِلَّا تبرئة الْقُرْآن عَن كل منقصة)) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute