للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَنْ عبَّر عَن ذَلِك الْأُسْتَاذ سيد قطب - رَحمَه الله - ببيانه الْمشرق، وأسلوبه الماتع.. وَذَلِكَ فِي مَوَاضِع كَثِيرَة من كِتَابه الْعَظِيم (فِي ظلال الْقُرْآن) .. وَمن ذَلِك قَوْله: ((إِن الشَّأْن فِي سور الْقُرْآن من هَذِه الوجهة - أَي وجهة اسْتِقْلَال كلٍّ مِنْهَا بشخصية (هَكَذَا {) مميِّزة - كالشأن فِي نماذج الْبشر الَّتِي جعلهَا الله متميزة.. كلهم إِنْسَان، وَكلهمْ لَهُ خَصَائِص الإنسانية، وَكلهمْ لَهُ التكوين العضوي والوظيفي الإنساني.. وَلَكنهُمْ - بعد ذَلِك - نماذجُ متنوعة أشدَّ التنوع، نماذج فِيهَا الْأَشْبَاه الْقَرِيبَة الملامح، وفيهَا الأغيار الَّتِي لَا تجمعها إِلَّا الخصائص الإنسانية الْعَامَّة.

هَكَذَا عدتُ أتصور سور الْقُرْآن، وَهَكَذَا عدتُ أحسُّها، وَهَكَذَا عدتُ أتعامل مَعهَا.. بعد طول الصُّحْبَة، وَطول الألفة، وَطول التَّعَامُل مَعَ كل مِنْهَا.. وفْق طباعه، واتجاهاته، وملامحه وسماته} وَأَنا أجد فِي سور الْقُرْآن - تبعا لهَذَا - وفْرةً بِسَبَب تنوع النماذج، وأُنْساً بِسَبَب التَّعَامُل الشخصي الوثيق، ومتاعاً بِسَبَب اخْتِلَاف الملامح والطباع، والاتجاهات والمطالع! إِنَّهَا أصدقاء.. كلُّها صديق، وكلُّها أليف، وكلُّها حبيب، وكلُّها ممتع، وكلُّها يجد الْقلب عِنْده ألواناً من الاهتمامات طريفة، وألواناً من الْمَتَاع جَيِّدَة، وألواناً من الإيقاعات، وألواناً من المؤثرات.. تَجِد لَهَا مذاقاً خَاصّا، وجواً متفرداً.

ومصاحبة السُّورَة من أَولهَا إِلَى آخرهَا رحْلَة.. رحْلَة فِي عوالم ومشاهد، ورؤىً وحقائق، وتقديرات، وموحيات، وغوص فِي أعماق النُّفُوس، واستجلاء مشَاهد الْوُجُود.. وَلكنهَا مَعَ ذَلِك رحْلَة متميزة المعالم.. فِي كل سُورَة، وَمَعَ كل سُورَة)) (١) .


(١) فِي ظلال الْقُرْآن، ٣/١٢٤٣، وانظره كَذَلِك فِي هَذِه الْمَوَاضِع على سَبِيل الْمِثَال: ١/٢٧، ٢٨، و: ١/٥٥٥، و: ٢/٨٣٣.. ولسيد قطب كَلَام كثير رائع حول (جوِّ) كل سُورَة الْخَاص، وشخصيتها المميِّزة.. وَقد سبق أَن أَشَرنَا إِلَى شَيْء من ذَلِك فِيمَا سبق من كلامٍ خَاص عَنهُ وَعَن تَفْسِيره، ونلاحظ أَنه يسْتَعْمل الأسلوب الحَدِيث، وَقد لَا يتناسب مَعَ قدسية الْقُرْآن، وَلكنهَا الْأَمَانَة فِي النَّقْل.

<<  <   >  >>