وبكل حال فالأصل أن وقت الرمي في أيام التشريق بعد زوال الشمس، كما ثبت في الحديث عن ابن عمر وجابر وعائشة وغيرهم، وهو قول الأئمة كلهم، ذكره ابن قدامة كما في المغني مع الشرح (٣/٤٧٦) ، لكنه ذكر أن إسحاق بن راهويه، وأصحاب الرأي، وهم الحنفية، رخصوا في الرمي يوم النفر قبل الزوال، ولا ينفر إلاَّ بعد الزوال، وعن أحمد مثله، ورخص عكرمة في ذلك أيضاً، وقال طاووس: يرمي قبل الزوال، وينفر قبله... الخ.
وهكذا ذكر في الشرح الكبير في نفس الصفحة: وقال الزركشي في شرحه على مختصر الخِرَقي (٣/٢٧٩) : والرواية الثانية إن رمى في اليوم الآخر قبل الزوال أجزأه، ولا ينفر إلاَّ بعد الزوال (والثالثة) كالثانية إلا أنه إن نفر قبل الزوال لا شيء عليه، قال في رواية ابن منصور: إذا رمى عند طلوع الشمس في النفر الأول ثم نفر. كأنه لم ير عليه دماً اهـ.
وذكر القرطبي في تفسيره لقوله تعالى:((فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه)) (البقرة:٢٠٣)(٣/٩) . عن عطاء أنه سمعه يذكر أنه رخص للرعاء أن يرموا بالليل في الزمن الأول، وذكر أنه روي مرفوعاً عند الدارقطني، وغيره، وعلله بأنه أرفق بهم وأحوط فيما يحاولونه من رعي الإبل.
وقال مالك: إذا تركه نهاراً رماه ليلاً، وعليه دم في رواية ابن القاسم، ولم يذكر في الموطأ أن عليه دماً.
وقال الشافعي، وأبو ثور، ويعقوب، ومحمد: إذا نسي الرمي حتى أمسى يرمي ولا دم عليه، وكان الحسن البصري يرخص في رمي الجمار ليلاً، وقال أبو حنيفة: يرمي ولاشيء عليه.
ويمكن أن يستدل على تقديم الرمي يوم النفر الأول بظاهر قوله تعالى:((فمن تعجل في يومين)) حيث إن اليوم يعم أول النهار وآخره.