للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ففي شريعة اليهود اعتقادهم في عيسى أنه ولد بغي، وأن أمه زانية حيث رموها ببهتان، كما قال الله تعالى: (وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً) . جاءت النصارى فزادوا وغلوا فرفعوه عن طوره، وأعطوه ما لا يستحقه، فحكى الله عنهم أنهم قالوا: (إن الله هو المسيح بن مريم) ، وحكى عنهم أنهم قالوا: (المسيح ابن الله) ، وكذلك كفّر من قال إن الله ثالث ثلاثة، يعني الله وعيسى وأمه، كما في قوله تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) وقال تعالى: (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) ، جاء الإسلام فتوسط، لا إفراط ولا تفريط، فالإفراط كان من الذين زادوا وقالوا: هو الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، وأهل التفريط الذين قالوا: إن المسيح ابن بغي، بل شهد الإسلام بأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وجعله رسولاً كسائر الرسل، كما في قوله تعالى: (ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، وأمه صديقة، كانا يأكلان الطعام) . فشهد له بأنه رسول، وأقر، أو حكى كلامه في قوله تعالى: (وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل: إني رسول الله إليكم) ، فهو رسول كسائر الرسل. وهذا هو القول الوسط، لا إفراط ولا تفريط.

وهكذا أيضاً في الأعمال، دين اليهود ودين النصارى بينهما تفاوت، ففي بعض الأديان الإفراط، وفي بعضها التفريط، فعندنا مثلاً، أن اليهود يرون الطلاق ولا يرون الرجعة، فمن طلق زوجته فلا رجعة له عليها، وأن النصارى يرون أن لا طلاق، فمتى عقد للمرأة على الإنسان فلا طلاق، ولا يحل له الطلاق، وجاء الإسلام فتوسط فجعل للإنسان أن يطلق متى شاء، وأن يراجع بعد التطليقة الأولى وبعد الثانية، وهكذا، وذلك من أجل أن الإنسان قد يستعجل في أمر يبدو له أن يتلافى ذلك بعد حين، ولهذا فالإسلام توسط بين هؤلاء وهؤلاء.