ثم السورة التي بعدها فيها أيضاً تقرير ذلك مثل قوله تعالى:(ألم نجعل الأرض كفاتا * أحياءً وأمواتاً)(المرسلات:٢٥-٢٦) إلى آخر الآيات؛ يذكر الله آيات ودلالات على أنه هو المنفرد بالإلهية، وأنه هو المتصرف بالربوبية وحده؛ لأن هذا تصرفه هو وحده الذي انفرد به، فهو أهل أن يكون معبوداً وحده دون ما سواه.
كذلك السورة التي بعدها:(ألم نجعل الأرض مهاداً * والجبال أوتاداً)(النبأ:٦-٧) إلى آخر الآيات تقرير للألوهية، وعرض المعجزات والبراهين التي من تأملها وتعقلها رسخت العقيدة في قلبه؛ بحيث يعرف أن الذي أوجد هذه الكائنات على هذا الإحكام؛ غاية الأحكام أنه أهل أن يعظم، وأهل أن يعبد وحده، وأن يشكر ويذكر، وأن تكون الطاعة له دون ما سواه، وأهل أن يطاع رسله الذين أرسلهم وحمَّلهم رسالته.
وفي السورة التي بعدها يقول تعالى:(أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها)(النازعات:٢٧-٢٨) إلى آخر الآيات، يحتج عليهم بهذا الخلق المحكم العظيم الذي لا يستطيع أي مخلوق أن يغيره عن وضعه. فالذي أوجد هذه المخلوقات هو الإله، وهو الرب، وهو المعبود وحده.
وفي السورة التي بعدها يقول تعالى:(فلينظر الإنسان إلى طعامه * أنا صببنا الماء صباً * ثم شققنا الأرض شقاً)(عبس:٢٤-٢٦) إلى آخر الآيات، وفي هذا يذكر الإنسان بأن الذي فعل هذا هو الله وحده، ولا يستطيع مخلوق مهما كانت قدرته أن يأتي بمثل هذا الأمر الذي يأتي به الله سبحانه.
إذن فهذا يبين أن العقيدة هي أول ما بدأ به نبينا صلى الله عليه وسلم في دعوته، ولما بينه للصحابة اعتقدوا ما اعتقدوه في أمر الإله وحده سبحانه وتعالى من أسمائه وصفاته، ومن براهينه وآياته، ومن نعمه وآلائه على خلقه، واعتقدوا أنه أهل أن يعبد وحده، وأن يشكر، وأن يثنى عليه.