وهذا تأويل باطل من جنس ما قبله، فقد تكرر ذكر اليد واليدين للرب تعالى في العديد من الآيات والأحاديث والتصريح بذكر اليمين، ونحو ذلك من العبارات الصريحة، فإن تأويلها بالقدرة بعيد عن الصواب، وقد ذكرها الله في قوله لإبليس:((ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدَيَّ)) (ص:٧٥) بلفظ المثنى، ولو كان المراد القدرة لما حسن ذكر التثنية، ولقال إبليس: وأنا خلقتني يا رب بقدرتك. ثم إنه ادعى الإجماع على تأويل اليد بالقدرة والتأييد، والنصر والرعاية، والحماية والعناية، وليس كذلك؛ فإجماع الصحابة والتابعين سابق لهؤلاء، على أن يد الله صفة من صفاته، وتبعهم على ذلك سلف الأمة والأئمة الأربعة، وَنَصَرَهُ ابن جرير في تفسير قول الله تعالى:((بل يداه مبسوطتان)) (المائدة:٦٤) فأين الإجماع على ما قال؟! ومن الذي حكاه كما قال هذا الكاتب؟! ثم إنه أورد بيت شعر اعتمده فيما قال، ونص البيت:
وكل نص أوهم التشبيها أوّله أو فوض ورم تنزيها
وهذا البيت مذكور في منظومة لبعض الأشاعرة.
ونحن نقول:
أولاً: إن صاحب النظم لا ينبغي اتخاذه عمدة؛ فإنه إنما بنى كلامه على معتقده الذي اعتنقه عن مشائخه، الذين تلقى عنهم هذه العقيدة السيئة.
ثانياً: لا يُظَنّ أن نصوص الشرع من الكتاب والسنة توهم التشبيه أبداً، فإن السلف والأئمة لم يكونوا يفهمون أو يتوهمون أن النصوص توهم التمثيل بصفات المخلوقين، أو ما هو من خصائصهم، فالله تعالى أعلى وأجل من أن يكون كلامه الذي وصف به نفسه، لا يظهر منه إلا ما هو كفر أو ضلال.