وإذا علمنا أن علم الحديث من العلوم الشرعية التي أمرنا بتعلمها وتعليمها "وجب الاعتناء به، والاهتمام بضبطه وحفظه، ولذلك يسر الله سبحانه وتعالى أولئك العلماء الأفاضل، والثقات الأماثل، والأعلام المشاهير، الذين حفظوا قوانينه، واحتاطوا فيه، فتناقلوه كابراً عن كابر، وأوصله كما سمعه أول إلى آخر، وحببه الله إليهم لحكمة حفظ دينه، وحراسة شريعته، فمازال هذا العلم من عهد الرسول صلوات الله وسلامه عليه والإسلام غض طري، والدين محكم الأساس قوي، أشرف العلوم وأجلها لدى الصحابة رضي الله عنهم والتابعين بعدهم وتابعي التابعين، خلفاً بعد سلف لا يشرف بينهم أحد بعد حفظ كتاب الله عز وجل، إلا بقدر ما يحفظ منه، ولا يعظم في النفوس إلا بحسب ما يسمع من الحديث عنه، فتوفرت الرغبات فيه، وانقطعت الهمم على تعلمه، حتى لقد كان أحدهم يرحل المراحل ذوات العدد، ويقطع الفيافي والمفاوز الخطيرة، ويجوب البلاد شرقاً وغرباً في طلب حديث واحد ليسمعه من روايه..."(جامع الأصول لابن الأثير ١/٣٩-٤٠) .
وقد اعتنى أهل العلم في القديم والحديث بحفظ الأحاديث وروايتها، والعمل بها، وتدوينها في كتب أطلق عليها، سنن، ومسانيد، وصحاح، ومعاجم، وجوامع، ومشيخات، وأجزاء، وأمالي، ونحو ذلك. واهتموا كذلك بالرواة ومروياتهم من حيث القبول والرد، وقعدوا قواعد لنقد الرواة والروايات، وألفوا في علوم الحديث كالناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، وأسباب ورود الحديث، والتصحيف والتحريف، والمؤتلف والمختلف، والمتفق، والمتفرق إلى غير ذلك من مباحث هذا العلم.
١- ويعتبر الإمام القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خالد الرّامَهُرْمُزي (٣٦٠هـ) أول من ألف في علوم الحديث في كتابه "المُحدث الفاصل بين الراوي والواعي" ولم يستوعب كل الأنواع.