كان أهل الجاهلية يقطعون آذان الدواب كعلامة على نوع من الأنعام التي يحرمونها، ويسمونها البحائر والسوائب، وقد ذكر الله أن ذلك من وحي الشيطان إليهم، فحكى عن إبليس أنه قال:(ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله)(النساء:١١٩) . ومتى قطعت آذان الدابة أصبحت متميزة عن غيرها بهذه العلامة الجلية فيجعلونها لآلهتهم، كما قال تعالى عنهم (هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا)(الأنعام:١٣٦) . أي معبوداتهم، ومنها ما يختص به الرجال، كما في قوله تعالى (وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا)(الأنعام:١٣٩) ولا شك أن هذا الفعل محرم حيث إنهم يحرمون ما أحل الله، ويحلون ما حرم الله ويجعلون ميزة ورمزا لهذا النوع من المحرمات، فالتحريم ليس هو مجرد تبتيك الآذان، وإنما التحريم ينصب على عزل هذا النوع، وتسميته بهذا الاسم، بحيث يمنع التصرف فيه تصرف المالك لملكه. وقد وقع في هذه الأزمنة المتأخرة أن بعض الناس يقطعون من المعز أو نوع منها أنصاف الآذان ويعتذرون عن الفعل المذكور بأنهم لا يقصدون تحريمها، ولا الإشارة إلى أنها بحيرة أو سائبة،،، الخ. ولكن ذلك من زينتها وجمالها، حيث زعموا أن في آذانها طولاً مفرطاً، وتقصيرها يزيل ذلك الشين والقبح في المرأى، وربما علل بعضهم أن طول الآذان يعوقها في الشرب والرعي، حيث تعترض الآذان دون الماء أو الأكل، فبقطعها يزيل التعويق هكذا عللوا، ويمكن أن يعتبر هذا عذرا لهم، مسوغا تقصير الآذان بقدر الحاجة، لكن بعضهم يقطع أكثر الأذن، مما لا حاجة إلى قطعه، فيدخل في المحرم أو المكروه، أما إن كان القصد الجمال فقط، فأرى أن خلق الله أحسن تقويما، فلا يحتاج إلى تحسين خلقة أو منظر، فالآذان في الأصل خلقها الله زينة، ولحاسة السمع، وجعلها في هذا الحيوانات طويلة، حتى ترفعها وقت سماع الصوت البعيد،