فلعل ذلك مما تعود به الألفة بينهما ومتى عزم الزوج على الفراق فلا بد أن يتأنى ويتريث فربما صلحت الأحوال واصطلحا بينهما، وهكذا لو رأت المرأة ما يسوءها من شراسة وسوء خلق ومضايقة أو حيف وجور فإن عليها التصبر والتحمل قبل أن تسأل الطلاق، فقد ورد في الحديث:(أيما امرأة سألت الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) .
وإذا نفد صبرها ولم تطق البقاء معه جاز لها طلب الطلاق واستحب له أن يطلقها حتى يخلصها مما هي فيه من الضيق والحرج، فإن لم يفعل فلها طلب الخلع بأن تبذل له مالاً أو منفعة على أن يخلي سبيلها لتعيش في راحة وطمأنينة، ثم إن الشرع لما أباح الطلاق جعله في أضيق الأحوال وأقلها وجوداً، فإن طلاق السنة هو أن يطلقها في طهر لم يطأها فيه أو بعدما يتبين حملها ويكون الطلاق واحدة فقط، وتبقى معه في منزله حتى تنقضي عدتها، وإذا تأملت ذلك وجدته يهدف إلى تقليل الطلاق والتحذير من إيقاعه حيث نهى عن الطلاق في الحيض فإن النفس قد تكرهها في تلك الحال فإذا أوقع الطلاق حال كراهتها فقد يندم ويتمنى عدم إيقاعه، ثم نهاه عن إيقاع الطلاق في طهر جامعها فيه وذلك أنه إذا صبر عنها مدة حيضها ثم طهرت فإن نفسه تندفع نحوها فإذا واقعها أمسكها حيث نهى عن الطلاق في ذلك الطهر، فإذا أمسكها حتى تحيض عرف أنه لا يجوز إيقاع الطلاق حالة الحيض فإذا طهرت لم يصبر عن مواقعتها غالباً فيبقى هكذا حتى يزول الخلف ويخف ما في النفس، وهكذا أباح طلاقها في حالة الحمل لأن إقدامه على ذلك دليل واضح على عدم رغبته في إمساكها، وهكذا إذا صبر عن مواقعتها بعد الطهر فطلقها فإن صبره دليل عزمه على الطلاق وعدم إطاقة الصبر معها، ثم أنه إنما أباح الطلاق مرة واحدة وذلك ليتمكن من المراجعة في العدة لقوله تعالى:(وبعولتهن أحق بردهن في ذلك)(البقرة:٢٢٨) أي في زمن العدة، كما أنه منعه من إخراجها ونهاها عن الخروج من منزله بقوله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن