أي هناك من هو أحمق مغفل، تأتيه الدنيا وتتراكم عليه وتكثر عليه، وهناك أناس أذكياء وأقوياء وأصحاء وعقلاء لا تأتيهم الدنيا، بل يكونون فقراء.
وقد يكون ذلك بعناية من الله، ففي بعض الأحاديث:(إن الله يحمي عبده الدنيا كما يحمي أحدُكم مريضه من الطعام والشراب) . أي أن الله علم أنه لو أعطي من هذه الدنيا لما صلحت حاله.
وذكر ابن رجب في شرح الأربعين النووية حديثاً قدسياً يقول الله فيه:(إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك) .
فالله تعالى هو الذي يختار لعباده، فمنهم من إذا أغناه الله شكر وقام بحق هذه الأموال، وأعطى ما يجب عليه فيها، ومنهم من إذا أغناه الله بطر وكفر بنعمة الله ولم يشكرها، وكذلك منهم من إذا أغناه الله لجأ إلى ربه ودعاه وخشع واستكان، ومنهم من إذا افتقر سبَّ القدر وحظه وسب قدره، وأخذ يعترض على ربه وعلى القضاء، وربما أوقعه فقره في شرك ونحو ذلك.
وهذه الأموال التي يسهلها الله لبعض الناس ثم يرزقه القيام بحقها فإن ذلك من حسن حظه، فلم يدفعه غناه إلى مالا تحمد عاقبته، بل شكر نعمة الله وأدَّى حقوقها.
ومنهم من يرزقه الله المال الكثير، فيمسكه ويبخل به ولا يؤدي حقه، وقد يكون ذلك سبباً في تلفه، ففي الحديث المشهور: أن الملكين "يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً". فالغني في الحقيقة الذي يُحمد صاحبه هو الذي تؤدى حقوقه، ومن حقوقه إخراج الزكاة ومواساة الفقراء بالمال.
ومعلوم أن الفقراء وعوام الناس يحترمون أصحاب الأموال ويجلّونهم ويرون لهم قدرهم، وهذه طبيعة في المخلوقات، والناس عامة يميلون إلى ذلك، قال بعضهم: