فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه وقوي الإسلام وتمكن، وصار القادة والسادة الذين كانوا في أول الإسلام يخاف من شرهم كآحاد الناس لم يعطهم من الزكاة، وقال: إن الله قد نصر الإسلام، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
وفد عيينة بن حصن إلى المدينة وكان ابن أخيه الحر بن قيس من جلساء عمر رضي الله عنه، وكان جلساء عمرهم القراء شباباً كانوا أو شيباً، فقال عيينة لابن أخيه: لك يد عند هذا الأمير اشفع لي حتى أدخل عليه، وكان قد اشتكى أن عمر لم يعطهم ما كان يعطيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه وقال بصوت جهوري: هي "يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل" فهذه كلمة نابية جافية من أحد أجلاف العرب، وغضب عمر وكاد أن يبطش به، ولكن ابن أخيه حثه على العفو، وقرأ عليه قول الله تعالى:(خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)(الأعراف:١٩٩) ، فوالله ما جاوزها وكان وقافاً عند كتاب الله.
وكان عيينة بن حصين هذا من المؤلفة قلوبهم، هو والأقرع بن حابس، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم لما انتصر على هوازن وقسم غنائمهم، قسم الإبل، فأعطى عيينة بن حصين مائة من الإبل، وأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى شاعراً من شعراء بني سليم وهو العباس بن مرداس أقل من المائة، فأنشأ يقول:
أتجعل نهبي ونهب العبيد كبين عُيَيْنةَ والأقرعِ
وما كان بدْرٌ ولا حابس يفوقان مرداس في المجْمَعِ
وما كنتُ دونَ امريٍ منهما ومن تخْفض اليوم لا يُرْفَعِ
يعرض بالأقرع وعيينة، فدل على أنهما ممن كان يتألفهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان في عهد عمر قطع هذا التأليف وأسقط حقهم.