ومنها حديث معاذ بن جبل ذكره عن محمد بن المبارك الصوري، بإسناده عنه مرفوعاً:"يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلاً، وبالهالك في الفترة وبالهالك صغيراً، فيقول الممسوخ: يا رب لو آتيتني عقلاً ما كان من آتيته عقلاً بأسعد مني، وذكر في الهالك في الفترة والصغير نحو ذلك، فيقول الرب عز وجل: إني آمركم بأمر فتطيعوني فيقولون: نعم، فيقول: اذهبوا فادخلوا النار. قال: ولو دخلوها ما ضرتهم، فتخرج عليهم قوابض فيظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء، فيرجعون سراعاً ثم يأمرهم الثانية فيرجعون كذلك، فيقول الرب عز وجل: قبل أن أخلقكم علمت ما أنتم عاملون وعلى علمي خلقتكم وإلى علمي تصيرون، ضميهم، فتأخذهم النار"، وفي إسناده ضعف. لكن يتقوَّى بالشواهد والطرق الأخرى والأحاديث التي ذكرها ابن كثير وغيره.
فهذه الأحاديث بمجموعها تثبت جنس الامتحان في يوم القيامة، حتى لا يعذب الله تعالى من لا يستحق العذاب.
وقد نقل ابن القيم وابن كثير عن ابن عبد البر أنه قال:"أهل العلم ينكرون أحاديث هذا الباب، لأن الآخرة ليست دار عمل ولا ابتلاء، وكيف يكلفون دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين، والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها" اهـ.
وأجاب ابن القيم بوجوه:
منها: أن أهل العلم لم يتفقوا على إنكارها، بل صححوا بعضها، فحديث الأسود رواه أحمد وإسحاق وابن المديني، فهو أجود من كثير من أحاديث الأحكام.
ومنها: أن أبا الحسن الأشعري حكى هذا المذهب عن أهل السنة، فدل على أنهم عملوا بالأحاديث، وذكر البيهقي في الاعتقاد له: أن بعض الأئمة نصوا على الامتحان، وقالوا: لا ينقطع إلا بدخول دار القرار.
ومنها: ما في الصحيح: في الرجل الذي هو آخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وأنه يعطي ربه عهوداً ومواثيق أن لا يسأل غير ما سأل، ثم يسأل، فيقول الله له: ويحك يا ابن آدم ما أغدرك، فالغدر مخالفة للعهد الذي عاهد عليه ربه.