فإذا صليت أول الليل ما تيسر لك من هذه التراويح فحافظ أيضاً على صلاة آخر الليل بما تستطيعه قلّ أو كثر، وبهذا تكون محافظاً على العبادات.
وهكذا أيضاً تحافظ على السنن الرواتب -التي قبل الصلاة وبعدها- فإذا طمعت في الزيادة في هذا الوقت فلا تدخر وسعاً.
روي عن بعض السلف: أن الأعمال تضاعف في شهر رمضان، فركعة في رمضان تعدل ألف ركعة فيما سواه، والحسنة فيه بألف حسنة فيما سواه، والفريضة تعدل سبعين فريضة فيما سواه، ومن تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه. كما ذكر ذلك ابن رجب رحمه الله في وظائف رمضان.
الفصل الرابع
الاعتكاف
حقيقة الاعتكاف:
الأصل في الاعتكاف أنه الإقامة في المكان طويلاً، ولزومه، والاشتغال فيه، وكان المشركون يعكفون عند الأوثان كما في قوله تعالى:((فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم)) (الأعراف:١٣٨) . وقول إبراهيم عليه السلام:((ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون)) (الأنبياء:٥٢) . وقولهم:((نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين)) (الشعراء:٧١) .
وجعل الله عكوف المسلم واعتكافه لزوم المسجد، فقال تعالى:((أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود)) (البقرة:١٢٥) . وقال تعالى:((ولا تقربوهن وأنتم عاكفون في المساجد)) (البقرة:١٨٧) . فجعل العكوف لزوم المساجد.
فالأصل أن المعتكف يفرّغ نفسه وينفرد في مكان ويشغل نفسه بالعبادة، وينقطع عن الدنيا وينقطع عن أهلها.
فالاعتكاف هو لزوم المسجد طاعة لله تعالى، والقصد منه التفرغ للعبادة. وأن لا يخرج من المسجد إلا لضرورة ملحة لا يجد منها بداً، كأن يحضر طعامه وشرابه إذا لم يجد من يحضره له، وكذلك الخروج للخلاء وللوضوء وغير ذلك.
قال ابن رجب رحمه الله: معنى الاعتكاف وحقيقته: "قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق".