وكان الصحابة يصلون في ليالي رمضان ثلاثاً وعشرين ركعة، وربما صلى بعضهم، أو بعض التابعين كما عند الإمام مالك في رواية ستاً وثلاثين، وعند الإمام الشافعي يصلي في ليالي رمضان إحدى وأربعين ركعة في رواية عنه فيصلون أربع ركعات، وتستغرق نصف ساعة، يستريحون بعدها نحو خمس أو عشر دقائق، ثم يصلون أربعاً وهكذا، ولذلك سموا هذا القيام بالتراويح حيث إنهم يرتاحون بعد كل أربع ركعات. فهذه الأفعال هي حقاً إحياء لهذه الليالي في العبادة.
ويدخل في إحياء تلك الليالي أيضاً إحياؤها بالقراءة؛ فإن هناك من يسهر ليالي العشر يصلون ما قدر لهم، ثم يجتمعون حلقات، ويقرؤون ما تيسر من القرآن في بيت من بيوت الله في المساجد، أو في بيت أحدهم رجاء أن تُحقَّق الفضائل التي رتبت على ذلك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده".
فإذا اجتمع جماعة، عشرة أو عشرون، أو نحو ذلك يقرؤون القرآن؛ يقرأ أحدهم، وبقيتهم يستمعون له، ناظرين في مصاحفهم، ثم يقرأ الثاني، حزباً أو نصف حزب، أو ربعه، ثم يقرأ الثالث.. وهكذا، فيصدق عليهم أنهم يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، فيُحيون ليلهم بالطاعات والقربات.
كذلك إذا أحيوا الليل بتعلم أو تعليم كان ذلك أيضاً أحياءً لهذه الليالي بطاعة. فإذا أحيينا ليلنا أو جزءاً من ليلنا في تعلُّم علوم دينية، كان ذلك إحياء لهذه الليالي بطاعة تنفعنا إن شاء الله.