فإحرام أهل الشام ومن كان على تلك الطريق من رابغ، هو إحرام من الميقات، وذلك أنه قبل الجحفة بقليل، ومن أحرم قبل الميقات بقليل أجزأه إحرامه، بخلاف من أخّر الإحرام حتى تجاوز الميقات كما سيأتي. ثم إن الحكومة أيدها الله تعالى عمَّرت مسجداً كبيراً في الجحفة القديمة، وأصلحت له طريقاً معبَّداً يتصل بالمسجد الذي عمر في الجحفة ليحرم منه الناس وإن كان مائلاً عن الطريق قليلاً.
أما أهل الشام إذا مروا بالمدينة فإنهم يحرمون من ميقات أهل المدينة، وكذلك من مر بالمدينة من غير أهلها، فلو مر بالمدينة بعض أهل نجد أو أهل العراق، لزمهم أن يحرموا من ميقات أهل المدينة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام في المواقيت:"هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن". فإذا جاء أهل الشام وأهل مصر بالبواخر وتوجهوا إلى جدة فإنه يلزمهم الإحرام إذا حاذوا رابغ، أو حاذوا الجحفة، وهم في نفس السفن أو البواخر قبل نزولهم بجدة، ولا يجوز لهم تأخير الإحرام إلى أن يصلوا جدة، كما يفعله كثير من الجهلة، وذلك لأن ميقاتهم هو (الجحفة) أو قبلها برابغ، فإذا حاذوها وهم في نفس السفن أو البواخر تجردوا ولبسوا إحرامهم، ولبوا وعقدوا النية، دون أن يؤخروا إحرامهم إلى جدة، ولو قدِّر أنهم وصلوا إلى جدة وهم بثيابهم غير محرمين، ثم أحرموا من جدة لزمتهم الفدية، وهي فدية تجاوز الميقات بغير إحرام، إلا إذا رجعوا إلى رابغ وأحرموا منه، أي إذا رجعوا قبل أن يحرموا فإنه يسقط عنهم الدم، الذي هو دم الجبران. أما إذا أحرموا من جدة، وعقدوا الإحرام فيها فإنه يلزمهم الدم، ولا ينفعهم الرجوع بعد الإحرام.