هذا هو الأصل في سبب شرعية هذا الإحرام، وذلك لأن المحرم يتذكر في ليله ونهاره أنه في هذه العبادة، فتذكُّرُه يحمله على أن يحمي لسانه، فلا يتكلم إلا بخير، فيتجنب السبَّ والقذف، والشتم، واللعن، والغيبة، والنميمة، ويتجنب الجدال الذي نهى الله عنه، والمخاصمة بغير حق، وشدة الاحتكاك بغير موجب.
وعليه أيضاً أن يتجنب الفسوق التي هي المعاصي، صغيرها وكبيرها، فكل معصية؛ سواء كانت بالعين كنظرة إلى عورة، أو سماع لكلام سيئ، أو لغناء أو نحوه، أو كانت معصية بيد، أو برجل، أو بقلب، كمن يهم بمعصية بقلبه، كل ذلك من لافسوق الذي نهى الله عنه بقوله:((فلا رفث والفسوق ولا جدال في الحج)) (البقرة:١٩٧) .
فإذا تجنب الحاجُّ مثل هذه الأمور في إحرامه، رُجي أن تبقى عليه آثاره بعد تحلله، وذلك لأن للعبادات آثاراً تبقى بقية الحياة، ومن لم تبق عليه تلك الآثار فإنه حري بأن لا ينتفع بأعماله ويرجع إلى عمل السيئات.
كذلك إذا عرف العبد أنه في حال إحرامه في هذه العبادة منهيٌّ عن المعاصي ونحوها، عرف أنه مأمور بالطاعات، ومن الطاعات: الإكثار من الدعاء، والإكثار من ذكر الله تعالى، ولهذا يأمر الله بذكره في أيام المواسم كما في قوله تعالى:((واذكروا الله في أيام معدودات)) (البقرة:٢٠٣) . يعني أيام التشريق، وكذلك قوله:((فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً)) (البقرة:٢٠٠) .
بمعنى كما أنكم منهيون عن الغفلة في وقت أداء النسك، فلا تغفلوا بعد الانتهاء من النسك أيضاً؛ بل أكثروا من ذكر الله بعد قضاء المناسك، وأعمال المشاعر، ونحوها.
وهكذا أمر سبحانه وتعالى بذكره في مزدلفة فقال:((فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام)) (البقرة:١٩٨) .
فهذا ونحوه دليل على أن المحرم يكثر من ذكر الله تعالى في جميع حالاته، وأن يبقى أثر الذكر معه.