للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الشافعي: "فإن كان معنى قول ابن عباس أن الثلاث كانت تُحسَب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، يعني أنه بأمر النبي".

أقول: هذا هو المتعين قطعًا؛ لأن هذا الجعل إنما يكون قضاءً أو إفتاءً، ولم يكن يقع القضاء والإفتاء في عهده - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا منه، أو بأمره، أو بعلمه، إذ لا يجوز أن يكون وقع القضاء والإفتاء في هذا الحكم العظيم من أصحابه - صلى الله عليه وآله وسلم - باجتهادهم، ثم لا يبلغه ذلك، مع ما تُشعِر به الآثار من تكرر ذلك واستمراره.

وعلى فرض أنه كان يقع ذلك ولم يبلغه ــ وهو محالٌ عادةً ــ فكفى بتقرير الله عز وجل حجةً.

وفي "الصحيح" (١) عن جابر: "كنا نَعزِل والقرآن ينزل، لو كان شيئًا يُنهَى عنه لنَهَى عنه القرآن".

وإذا كنا نحتج بتقرير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فالاحتجاج بتقرير الله عز وجل أولى، فإن الوصلة كانت حينئذٍ موجودة بينه وبين عباده بوجود الوحي، فإذا لم يبين للناس خطأ ما يفعلونه حينئذٍ، فقد أقرهم عليه، ويوضح هذا قول الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ}.

وما تضافرت به الآثار أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يكره المسائل حتى قال: "إن أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا من سأل عن شيءٍ لم يُحرَّم على الناس، فحُرِّم من أجل مسألته". رواه الشيخان (٢) من حديث سعد بن أبي وقاص.


(١) البخاري (٥٢٠٨) ومسلم (١٤٤٠). والفقرة الأخيرة عند مسلم فقط.
(٢) البخاري (٧٢٨٩) ومسلم (٢٣٥٨).

<<  <   >  >>