للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الآية الرابعة فهي الحجة الواضحة عليكم، قال الجصاص: "وذلك يقتضي التفريق لا محالة؛ لأنه لو طلَّق اثنتين معًا لما جاز أن يقال: طلَّقها مرتين، وكذلك لو دفع رجل إلى آخر درهمين لم يجز أن يقال: أعطاه مرتين حتى يفرق الدفع" (أحكام القرآن ج ١/ ص ٣٧٨).

بل في الطلاق نفسه لو قيل: قد طلَّق فلان زوجته مرتين، لفُهِم منه أنه طلَّقها ثم بعد مدة طلَّقها.

ثم ذكر الله عز وجل الثالثة بعدُ إما بقوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، وإما بقوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ} الآية.

وأما قولكم: " {فَإِنْ طَلَّقَهَا} أي ــ والله أعلم ــ: ثلاثًا" فخطأٌ يخالفه ظاهرُ السياق، وما فهمه المفسرون من السلف، فإنهم اختلفوا على قولين:

الأول: أن قوله تعالى: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} هي الثالثة، وقوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} بناءٌ عليها، كأنه قال: فإن وقع التسريح المذكور.

الثاني: أن التسريح هنا معناه عدم المراجعة، وقوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} هي الثالثة.

وأما ما ذكره ابن جرير (١) عن ابن عباس قال: "يقول: إن طلَّقها ثلاثًا لا تحل حتى تنكح زوجًا غيره" (تفسير ابن جرير ج ٢/ ص ٢٧٠)، فسنده ضعيف، وهو مع ذلك محمول على أن المراد منه ثلاثًا متفرقات هذه آخرها، جمعًا بينه وبين الروايات الثابتة عن ابن عباس.


(١) "تفسيره" (٤/ ١٦٦). وأخرجه أيضًا ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٢/ ٤٢٢) والبيهقي (٧/ ٣٧٦).

<<  <   >  >>