قال أما بعد الشمس والقمر وأقطارهما وعظم أجرامهما فقد بيناه على ما جرى به القول في كتاب المجسطي وما وقع لنا بقياس الكسوفات فلنبتدئ ذكر ما سوى ذلك من الأفلاك إلى فلك زحل وفلك الكواكب الثابتة على نحو ما تكلفه المتأخرون من الفضلاء الحكماء قبل بطليموس فكان قولهم في ذلك أنه قد بان أن بعد القمر الأبعد عن الأرض بالمقدار الذي به نصف قطر الأرض جزء واحد يكون سد ي وذلك هو أقرب قرب عطارد وفلكا عطارد والزهرة فيما بين أبعد بعد القمر إلى أقرب قرب الشمس وإن نهاية الهواء والنار هي أقرب قرب القمر من الأرض وذلك إذا كان عن جنبي الامتلاء أعني على تربيع الشمس الأوسط وقد بان أن بعده عند ذلك عن الأرض يكون بذلك المقدار لج لج وما فوق ذلك فهو الأيثر الذي تجري فيه الكواكب وأما الأسطقصان الباقيان اللذان هما الماء والأرض فإن نهايتهما هي مقدار نصف قطر الأرض فهذه الأربعة الأسطقسات التي هي الأرض والهواء والماء والنار أصول الطبائع الأرضية وهي سبب الكون والفساد وباختلافها تختلف الأشياء بقدر ما يعلوها من الشمس والقمر والنجوم وتغيرها على ما بين أقرب قرب القمر من الأرض وبذلك يتغير كل شيء من الحيوان والنبات فالذي في هذا الحد الذي بين مركز الأرض والأيثر هو كما ذكرنا أن بعده عن الأرض لج لج بالمقدار الذي به يكون نصف قطر الأرض جزءاً واحداً وذلك أقصى الأرض والهواء والماء والنار وما فوق ذلك فهو طبيعة خامسة لا يقال فيها حقيقة ولا يليها الحس ولا يحيط العقل بكيفيتها ومنه فلك عطارد الذي فوق فلك القمر الذي ظهر من بعده وعظمه على ما أدركوه فإنهم ذكر أنهم قاسوا عظمه في أبعد بعده وأقرب قربه من الأرض فوجدوا اختلاف عظمه كقدر الاثنين والثلث والربع عند الواحد فإذا كان بعد عطارد الأقرب مثل بعد القمر الأبعد الذي قد ظهر أنه سدي فإذا ضرب ذلك في الاثنين والثلث والربع التي هي اختلاف عظم قطره صار بعده الأبعد مائة وستاً وستين مرة مثل نصف قطر الأرض وإذا أخذ نصف ما بين بعده الأبعد وبعده الأقرب كان بعده الأوسط قيه ثم قاسوا عظمه لما صار في وسط بعده إلى الشمس في وسط بعدها فوجدوا قطره جزءاً من خمسة عشر من قطر الشمس فإذا قسمت المائة والخمسة عشر على الخمسة عشر بلغ سبعة أجزاء وثلثا جزء ولما كان قطر الشمس مثل قطر الأرض خمس مرات ونصفاً فإذا جعل قطر الشمس الأوسط اقح على نحو ما بينا نحن بالقياس كان قطر الأرض بذلك المقدار مائتين وواحداً ونصفاً وإذا قيست تلك السبعة الأجزاء وثلثي جزء على المائتين والواحد والنصف وجدت جزءاً من ستة وعشرين وربع منها بالتقريب. ولما كان قطر الأرض يوتر درجة وسبعاً وخمسين دقيقة من دائرة الفلك كان قطر عطارد يوتر أربع دقائق ونصف وسدس دقيقة بالتقريب. وإذا ضرب ذلك في الطول والعرض والغمق صار عظم جرم عطارد جزءاً من سبعة عشر جزءاً من جرم الأرض بالتقريب. ثم نظروا في عظم الزهرة وبعدها فوجدوا اختلاف عظمها فيما بين بعدها الأبعد والأقرب كقدر الثنين من الثلثة عشر فإذا ضربت المائة والستة والستين التي هي أبعد بعد عطارد وأقرب قرب الزهرة في الستة والنصف التي هي قدر اختلاف عظم الزهرة عند الواحد كان بعد الزهرة الأبعد ألفاً وسبعين وهو أقرب قرب الشمس ويكون وسط بعدها لذلك ستمائة وثمان عشرة وقاسوا قطر الزهرة إلى قطر الشمس لما صارت في بعدها الأوسط فوجدوا جزءاً من عشرة من قطر الشمس فإذا أخذ من الستمائة والثمانية عشر جزءاً عشره كان أحد وستون جزءاً وأربعة أخماس فإذا قسم ذلك على المائتين وواحد ونصف كان ذلك من قطر الأرض الربع ونصف العشر وشيئاً يسيراً لا ينحصر.