وبحر بنطس يمد من لاذقة إلى الفسطنطينية العظمى طوله ألف وستون ميلاً وعرضه ثلثمائة ميل يدخل فيه النهر الذي يسمى طنايس ومجراه من ناحية الشمال من البحيرة التي تسمى مايطس وهو بحر ضخم وإن كان يسمى بحيرة طوله من المشرق إلى المغرب ثلثمائة ميل وعرضه مائة ميل وعند القسطنطينية ينفجر منه خليج يجري كأنه نهر ويصب في بحر مصر وعرضه عند القسطنطينية قدر ثلثة أميال والقسطنطينية عليه.
وبحر جرجان وهو بحر الباب طوله من المغرب إلى المشرق ثماني مائة ميل وعرضه ستمائة ميل وفيه جزيرتان قبالة جرجان كانتا فيما مضى عامرتين وهذه المواضع العامرة من موضع بحر الأرض المعروف والله بذلك أعلم.
وقد قسمت الأرض بثلثة أقسام الأول منها من البحر الأخضر من ناحية الشمال والخليج الذي يخرج من بنطس إلى البحر الأكبر وما بين بحيرة مايطس إلى بنطس فصارت حدود هذه الناحية من المغرب والشمال البحر الغربي وهو أوقيانوس ومن ناحية الجنوب بحر مصر والروم ومن ناحية المشرق طنايس وبحيرة مايطس وصارت هذه الأرض شبه الجزيرة وسموها أوروفي.
والقسم الثاني من ناحية الجنوب من بحر مصر إلى بحر الحبش وحدود هذه الناحية من المغرب البحر الأخضر ومن الشمال بحر مصر والروم ومن المشرق العريش ومن الجنوب بحر الحبش ويسمى هذا القسم لوبيا.
والقسم الثالث جميع ما بقي من عمران الأرض إلى أقصى ذلك وحدوده من المغرب طنايس والنهر والخليج والعريش وأيلة ومن الجنوب بحر اليمن والهند ومن المشرق أقصى عمران الصين من ناحية المشرق والصين نفسها ويسمى هذا القسم أسيا الكبرى. فهذه الثلثة أقسام قد جمعت الأقاليم والكور وسائر البلدان العامرة. وأما ما لا يعرف عمرانه ولا خرابه فهو أحد عشر جزءاً وأما الجزء الذي فيه العمران المعروف من خط الاستواء ففيه البحور والمفاوز. فإن قال قائل هل في هذه الأحد عشر جزءاً نبات وحيوان وعمران كان القول فيه من جهة القياس والرأي وأما ما كان من عمران الأرض قبلنا فإنه لا يجوز الحد والأفراق التي ذكرنا وأما الذي وراء ذلك فإنه لم يجره أحد إلينا ولكن الرأي والظن يقع على ما لا ينكره أحد من ذوي المعرفة على جهة القياس إن الشمس والقمر والكواكب تجري عندنا فيكون بحركتها وقربها وبعدها صيف وشتاء ونبات وحيوان وعمران وما يعرفه كل أحد فإن كانت الشمس تطلع على كل مكان من دائرة الأرض الباقية والكواكب مثل ما عندنا فيمكن أن يكون هنالك نبات وحيوان وبحور وجبال مثل ما عندنا وينبغي أن يكون كذلك. وتكون حصة الدرجة الواحدة من هذه الأميال المذكورة قريباً من خمسة وستين ميلاً وهو مسيرة يومين بالتقريب والله أعلم.
فأما طول المدن وعرضها على ما رسم في كتاب صورة الأرض فإن مواضعها من الطول الذي هو مسافة ما بين المشرق والمغرب فإنهم ابتدأوا به من الجزائر العامرة التي في بحر أرقيانس الغربي إلى ناحية المشرق على حسب ما وجدوا أوقات كسوفات القمر خاصة بتقدم بعضها بعضاً في البلدان فعلموا بذلك أن انتصاف النهار في كل بلد يتقدم انتصاف النهار في غيره من ناحية المغرب بأجزاء من أزمان معدل النهار يكون مقدارها مقدار أزمان ما بين الكسوف في البلدين ومن ذلك ما أخذوه من الأخبار ممن يسلك الطرق بالتقريب. وأما عروض المدن فإنهم أخذوها من قبل قياس الشمس في أوقات انتصاف النهار في البلدان فعرفوا بعدها وقربها من نقطة سمت الرؤوس على نحو ما بينا فيما تقدم من هذا الكتاب فعلموا بعد كل بلد عن خط الاستواء وهو مسافة ما بين الجنوب والشمال ورسموا تحت كل مدينة بعدها عن الجزائر الخالدات في الطول وعن خط الاستواء في العرض بالتقريب وقد أثبتنا ذلك على الرسم الذي وجدناه في كتاب صورة الأرض المعروف وذكر أوساط البلدان والكور المعلومة أيضاً ذكراً مفرداً كما فعل بطليموس وهي أربعة وتسعون بلداً. وقد يوجد في هذا الكتاب خلل في الأطوال والعروض وسنعيد ذكر ما يحتاج إليه من ذلك فيما يستأنف من كتابنا هذا.
[الباب السابع]
[معرفة مشارق الشتاء والصيف ومغاربها]
من دوائر آفاق البلدان من قبل زيادة النهار الأطول ومن قبل ارتفاع القطب إذا كان أحدهما معلوماً